الفلاح الذي أصبح مليونيرًا

الفلاح الذي أصبح مليونيرًا

ولد روبرت ماكورميك في عام 1780م في أمريكا، عمل مزارعًا ثم انتقل للعمل في ورشة حدادة، يصنع للمزارعين معداتهم، ويصلحها لهم. وكان كذلك ذا عقل مخترع، أراد أن يوفر للمزارعين الأمريكيين وقتهم وتعبهم، ويزيد إنتاجية حقولهم من القمح، ففي هذا الوقت من الزمان، كان الوقت المستغرق المناسب لحصاد محصول القمح وجمعه يستمر عدة أيام قليلة، وكانت قدرة الحاصد الواحد من بني البشر فدانًا واحدًا من القمح، لكل يوم عمل في الحصاد اليدوي، يليها مرحلة خمول طويلة، يقضيها المزارع في مراقبة محصول القمح التالي، وهو يكبر حتى يبلغ وقت الحصاد. وفق هذه المعادلة، لم يكن من المجدي زيادة المساحة المزروعة بالقمح، ما لم يكن لدى المزارع الأيدي العاملة القادرة على حصاد كل المحصول قبل أن يفسد ويذبل على أرضه.

في صيف 1831م، حين بلغ سايروس الابن عامه الواحد والعشرين، كان يعمل على تحسين اختراع حاصدة آلية معدنية، اخترعها أبوه في عام 1816م، ثم انصرف عنها إلى أشياء أخرى، على أن روبرت لاحظ أن هذه الأخيرة تحمل مؤشرات إيجابية، تفيد قدرتها على النجاح، بالرغم مما فيها من عيوب ونواقص. بالتعاون معًا، تمكن الأب والابن من صنع حاصدة يجرها الحصان أو (الثور) تمكنت من حصاد ثمانية فدادين في يوم واحد. في هذا الوقت، كانت الحاصدة تقتلع سيقان القمح وتجمعها معًا، ثم تضعها على الأرض.

في سبتمبر 1833م بدأ سايروس في الدعاية لآلته الحاصدة الجديدة، بعدما أدخل عليها تعـديلات عـدة، مقابل 50 دولارًا، لكن لم يشترها أحد. وبعد سنوات بدأ اقتصاد الولايات الأمريكية يتعافى من الكساد الذي ألم بها، وأثبتت خطوة الانتقال شمالًا نحو ولايات مزارع القمح جدواها، والرؤية السديدة والبعيدة التي توافرت لسايروس، هذا التوجه جعله قريبًا من الأراضي المناسبة لزراعة القمح، وقريبًا من الولايات التي اتجهت لزارعة القمح على نطاق كبير. كذلك ساعدت نهضة صناعة القطارات البخارية -وقتها- في تسهيل شحن آلاته عبر الولايات الأمريكية وبسرعة مقبولة في الوقت ذاته.

مضت الأيام هانئة حتى جاءت نذر الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، لكن هذه تحولت لتكون أنباء سعيدة، إذ خرج العمال والمزارعون والعبيد للانضمام إلى الحرب، ما ترك المزارع تبحث عمن يحصدها، وهذه أجبرت الجميع على التوجه لشراء الآلات، حتى إن مصنع شيكاجو باع 500 حاصدة إضافية فوق طاقته القصوى في عام 1862، وبعدما كان إجمالي المبيعات السنوية للحاصدات 16 ألفًا، فإذا بها تقفز في خمس سنوات إلى 80 ألف حاصدة مباعة في العام الواحد.

مع كل هذا التطور، كان الطلب العالمي على القمح في ازدياد، لكن سايروس بدأ يوجه ثروته إلى الاستثمار في العقارات وصناعة القطارات، ولهذا وبدءًا من عام 1960م بدأ اهتمام سايروس بتطوير صناعة الحاصدات الآلية يقل، ربما لكبر سنه، وربما لاهتمامه بأمور أخرى، لكن ولاية شيكاجو تدين له بالفضل الكبير في نمو زراعتها وصناعتها وتجارتها، التي كانت تصدر في عام 1839م قرابة 80 كيس قمح، لتصدر بعدها بعشر سنوات مليوني كيس بفضل حاصدة سايروس وأبيه.