يقــول المثــل الصينــي: «إذا كنــت تمشــي من دون دليــل فإنــك أيضــًا لا تعــرف متى تصــل». حين يمتلك الإنســان رؤية ما حيال نشــاطه في الحياة يســتطيع أن ينجز، وأن يحقق طموحاته بطريقة منظمــة ومنتجــة، ومــن يــدرك أن الحياة الدنيا تعاش لهدف وغايــة -وقليل من الناس يدرك ذلك-يصبح العيش بالنســبة إليه ســباقًا مع التحديات اليومية لمواجهة صعوبة الحياة بألوان من الصبر والأمل والحيلة والتدبير، وحين يمتلئ الإنسان بطاقة الأمل وروح التفاؤل يصبح النجاح بالنسبة إليه مســألة وقت؛ هكذا كان الشــيخ ســليمان الراجحي يرى حياته وعمله. حياة فريدة ومليئة بالعبر تلــك التــي مــر بها الشــيخ ســليمان الراجحي في مشــوار العمر ورحلة الأيام؛ تلــك التي بدأت من البكيريــة فــي منزل طيني متواضــع، وانتهت بإدراج صاحب هذه الحياة في المرتبة الـ 107 عالميًّا في قائمة (فوربس) لأثرياء العالم، والمرتبة السابعة عربيًّا بثروة تبلغ نحو تسعة مليارات دولار.
عمل الشــيخ ســليمان في حياته الأولى في كل ما يخطر على البال من مطلق الأعمال البســيطة جــدًّا التــي قــد تُعــدّ تافهة في عيــن البعض (طباخًا وحمــالًا وحدادًا) لكن حين يتــم النظر إليها كعمل وقيمة تحمل في ذاتها استحقاق الكرامة، تتحول تلك الأعمال الهامشية إلى مدرسة لتعلم أسرار الذات وإدراك معنى الجهد كوسيلة للكسب الحلال. يقول الشــيخ في نصيحة ذهبية لأبناء اليوم: «إذا كان الشــاب يريد أن يســتمع إلى نصيحتي فإني أنصحه بأن يعود نفســه على الطموح، ويعتمد على الله، ثم على نفســه، ولا ينتظر مســاعدة من أحد لا أب ولا غيره، وأن يضع نصب عينيه أن هناك مســؤوليات ومشـروعات كثيرة تنتظره من زواج وبيت وأولاد، وألا يكــون كل إنجــازه أن ينتظــر وفــاة أبيه لكي يرثه!، ولو ورث أباه فكم ســيكون نصيبه بين إخوانه وزوجات أبيه، وربما وجد أن أباه اســتدان جزءًا كبيرًا من ماله، وربما وجد أن هناك الكثير مــن الأقســاط التــي مــا زالت فــي انتظاره، ومن ثم فإنه يجب على كل شــاب أن يبنــي روح الطموح فــي نفســه، ويتعلــم كيف يكوِّن نفســه، ويجــب أن يكون عمله مبرمجًا، بحيث يقســم وقته بين متطلبات الحياة، مثــلًا من الساعة كذا للعمل، ومن الساعة كذا للوالدين ومن الساعة كذا للعائلة. ويجب أن يكون الشاب بارًّا بوالديه، قريبًا منهما، وعليه أن يتعرف إلى طريقة نشأة أبيه، ويقتــدي بــه فــي نجاحاته، كما أن عليه -لكي يكون ناجحًا في حياته- أن يدرس مســيرة الناجحين لأخذ العبرة منها ســواء كان ســليمان الراجحي أو غيره». ففي نهاية هذه النصيحة القيمة يطرح الشيخ سليمان الراجحي نفسه كعبرة للنجاح، وهو بالطبع لم يذكر اسمه على سبيل التباهي بل عن جدارة وتواضع يعرف معناهما جيدًا كل من اطلع على طرف من سيرته وسفر حياته الحافل. ففي هذه النصيحة المختصرة يمكننا أن نرى حياة الشــيخ ســليمان الراجحي نفســه، ويمكننا أن نستخلص كثيرًا من المعاني والقيم كالإخلاص، والاعتماد على النفس والمسؤولية والطموح والتنظيم وتحديد الأولويات، وغير ذلك مما يمكن أن يكون دليلًا ظاهرًا للنجاح. لقد قيل قديمًا: «تســعة أعشــار العبقريــة جــد ومثابرة والعشــر الباقــي ذكاء» وإذا صدق هذا القول فإن حياة الشــيخ سليمان الراجحي ربما كانت أسطع صورة صادقة عن معناه. وها نحن نرى اليوم مجالات الاســتثمار الكبرى لشــركة الراجحي المصرفية والمؤسســات الأخرى التابعــة لهــا، ونــرى كذلــك المؤسســات الخيريــة وصناديق الدعــم والنجاح التي يقدمها الشــيخ سليمان الراجحي لكل الناجحين والنابهين من أبناء المملكة؛ لأنه يعرف بطبيعة الحياة التي خاض غمارها طفلًا في مجال العمل والإنتاج أن أول شرط لمساعدة الناس هو أن يساعدوا أنفسهم. وهكذا كان الشــيخ ســليمان الراجحي في مشروعاته المختلفة نموذجًا حقيقيًّا للرائد الذي يختبر كل الفــرص والممكنــات لتحقيــق النجــاح. ذلــك أن ريــادة الأعمال ليســت منصبًا يمنــح للأفراد العامليــن داخــل النظــام، بــل هــو اختيــار ذاتــي يجعلهــم يبرزون مــن خلال الأفــكار التــي يحملونها والأحــلام التــي يأملــون في تحقيقهــا وتطبيقهــا وبلورتهــا بمعرفتهــم وقدراتهم الخاصــة. رواد الأعمال المؤسسيون ليسوا مخترعين ولا مكتشفين؛ لكنهم أفراد يستطيعون تحويل أفكارهم إلى مشروعات حقيقيــة، يبنــون فــرق العمــل، ويتمتعون بالالتــزام وبالدوافع القوية كي يــروا أفكارهم قد تحولت إلــى دافــع ملمــوس، وهم بعد ذلك كله ليســوا عباقــرة، بل لا تتجاوز حدود الــذكاء لديهم ذكاء متوسط الناس، وهم يبدؤون مغامراتهم المؤسسية الداخلية بفكرة، ثم سرعان ما تتحول إلى رؤية.