اتخاذ القرار والعقلية العربية | Taking the decision in the Arab mentality

اتخاذ القرار والعقلية العربية | Taking the decision in the Arab mentality

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

كلما قابلت مسئولاً إدارياً في القطاع العام أخذ يتردد في مخيلتي قول الشاعر:

إذا كنت ذا عزمٍ فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

وبحكم التخصص فنحن معشر الإداريين قد نجنح في رؤية مدلولات هذا البيت إلى الحد الذي لا يراه الأدباء والشعراء وربما الشاعر نفسه. فنحن نراه دعوة صريحة لتطبيق أحد المبادئ الهامة في عملية صنع القرار السليم وعدم التردد في إصداره وتحمل تبعاته. فاتخاذ القرار له أصول تبدأ بتحديد المشكلة وجمع المعلومات والتحري وتقويم البدائل وتنتهي جزماً باتخاذ القرار بصوره المختلفة. لكن المتفحص بالواقع العربي الموروث يجده يتدثر دوماً بالحكمة والروية في اتخاذ القرار إلى الحد الذي تفوت عنده المصلحة وتتعطل المنفعة! وهذا ما انعكس فيما بعد على الممارسات الإدارية المختلفة في منشآت الأعمال والأجهزة الرسمية المختلفة حتى طال الأحكام والإجراءات والمراجعات والقرارات.

وغدت هذه الظاهرة في كثير من القطاعات نظاماً يتبع، ونموذجاً يُحتذى، يزداد تعمقها وتطبيقها كلما علت مرتبة المدير ومكانته في المنشأة. فلا تكاد والحالة هكذا أن تخرج بنتيجة، وتظل تنتظر لأيام وربما أشهر بل قد تصل إلى سنين! عسى ولعل أن يقضى في الأمر.

فليس من الفطنة في عرف هؤلاء المتباطئين قول “لا” صريحة، وليس من الحكمة قول “نعم” واضحة. فيظل القرار متأرجحاً بينهما بدهاء، ليسجل لنا نحن العرب قصب السبق في اختراع نموذج لقرارات  “لعم” .. لا هي “لا” .. ولا هي “نعم”.

فكم من معاملة باتت في سبات عميق في أدراج المدراء أياماً وليال، وكم من اقتراح عفا عليه الزمن بعد أن بلي في ملفات الحفظ. وكم من طلب طواه النسيان من ذاكرة المشرف حتى لا يواجه تبعاته، وكم من رجاء واستجداء لبسطاء الناس تجاهله المسئول استكثاراً لقول نعم من الوهلة الأولى. وكم من قضايا ضاعت مصالح الناس فيها وفرصهم من أجل تردد المسئول في إصدار الحكم. وكم من مماطل بات قادراً على الوفاء فرده عن ذلك التسويف والعوائق الخادعة.

والواقع أن ذلك التباطؤ في اتخاذ القرارات الحاسمة إنما يعكس حقيقة الجهل بمراحل وطرق اتخاذ القرار. فكلما سلك المسئول الأساليب المنهجية والطرق العلمية في اتخاذ القرار كلما تعزز نجاحه وقلت سلبياته. وابرأ ذمته فيما يملكه الإنسان من حدود وقدرات.  فالقرار عظم أو صغر لا بد له من تبعات ونتائج تتطلب وجود قيادة واعية تحسن التصرف وتتحمل النتائج و إلا فمن فوضت له الأعمال لا يستحق أن يحمل أمانتها. وهو بتعطيله القرارات لربما أضر أكثر مما نفع.

والواقع المشهود في ممارسات القطاعات العامة على وجه الخصوص يؤكد أننا في حاجة ماسة إلى مراجعة ثقافتنا الإدارية حول أسس اتخاذ القرار السليم، والتخلص من العقلية المفرطة في الفهم العقيم والتطبيق المضلل لمعاني التأني والتروي والصبر.

قبل حوالي عامين وجه المقام السامي بسرعة إنجاز المعاملات وحسم القضايا، والرد المباشر حول الاستفسارات والمرئيات في مدة وجيزة لا تتجاوز أيام معدودة. وما أن مرت الأيام حتى عادت حليمة لعادتها القديمة وأخذت معاملات الضعفاء تقبع حبيسة أدراج المدراء والمسئولين من جديد وكأنها لن تصحو إلا بتنبيه أخر يوقظها من غفلتها وغفوتها المفتعلة.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر من رأي قد يناسب الزمان والمكان والظرف الذي قد كتب حينه وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال كما يدور الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ الإدارة والتسويق، جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]  [email protected]