كما الحال في كثير من المفاهيم الحديثة، فإنه ليس هناك تعريف موحد لحضانة الأعمال. لذلك تتضمن المراجع العلمية العديد من التعريفات المختلفة للحاضنات، كما تتبنى المجتمعات الصناعية في الدول المختلفة تعريفات مختلفة، مما يعكس الثقافات المحلية والسياسات الوطنية. فتستهدف ألمانيا، على سبيل المثال، البدايات الابتكارية، بينما تروج فرنسا وهولندا نموذج حاضنة الجامعة، وتستهدف أمريكا حاضنات الشركات التجارية، وذلك مما يزيد من اختلاف التعريفات بدرجة كبيرة في التركيز والتفاصيل.
ويمكن أن يكون بعض تلك التعريفات واسعًا وأخرى ضيقة للغاية. كما تأخذ الحاضنات أسماء مختلفة في الدول المختلفة. ففي كندا على سبيل المثال، تسمى حاضنات التقنية، التي يرعاها مجلس الأبحاث الوطني National Research Council تسهيلات الشراكة الصناعية Industrial Partnership Facilities (Carty, 2003).
- وقد عرف دف (Duff 2008) حاضنة الأعمال بأنها: “تنظيم يقدم العديد من خدمات تطوير الأعمال، وتحقّق الحاضنة احتياجات الشركات الجديدة، بصورة مرنة عن طريق احتضانها في مكان صغير. كما توفر الحاضنات مجموعة من الخدمات التي من شأنها تعزيز معدلات نجاح المنشآت الجديدة ونموها، مما يعظم من أثرها في التنمية الاقتصادية”.
- وتشير جمعية حاضنات الأعمال الوطنية (الأمريكية) National Business Incubation Association (NBIA) إلى حضانة الأعمال بأنها:
“عملية دعم الأعمال التي تعجل التطور الناجح للشركات المبتدئة، التي ينمو ريشها عن طريق توفير منظومة من الموارد والخدمات المستهدفة لرواد الأعمال. وهي عادة تقدم هذه الخدمات أو تنظمها من قبل إدارة الحاضنة، أو من خلال شبكة اتصالاتها. ويكون الهدف الرئيس لحاضنة الأعمال إنتاج شركات ناجحة، والتي تترك البرنامج، وهي قادرة ماليًّا وقائمة بذاتها”.
- كما عرف هاكيت وديلتس (Heckett & Dilts, 2004) حاضنة الأعمال بأنها “تسهيلات في مكاتب مشتركة، تسعى إلى توفير نظام يوجد قيمة مضافة إستراتيجية للجهات المحتضنة لمراقبة الأعمال ومساعدتها”. كما أشار المؤلفان إلى أن الحاضنة ليست مجرد تسهيلات مكتبية فقط، وإنما هي “شبكة ديناميكية من أفراد وتنظيمات”، مثل المدير والعاملين، والجامعات المحلية، وأعضاء المجتمع، واتصالات الصناعة، ومقدمي الخدمات المهنية.
- كما عرف ستيورت سميث (Stuart Smith 2011) حاضنة الأعمال على أنها: “مجموعة من برامج أعدتها الحكومة، أو تحالف أعمال، أو مجموعة أكاديمية، تتضمن تدريبًا وخدمات متنوعة. والهدف من ذلك مساعدة الشركات الصغيرة الموجودة في الحاضنة، لتحصل على فرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة أثناء مرحلة البداية”.
- كما تم تعريف حاضنات الأعمال بأنها: “حزمة متكاملة من الخدمات والتسهيلات وآليات المساندة والاستشارة توفرها، ولمرحلة محددة من الزمن، مؤسسة قائمة، لها خبرتها وعلاقاتها للمبادرين، الذين يرغبون البدء في إقامة مؤسسة صغيرة، بهدف تخفيف أعباء مرحلة الانطلاق (Start up)”([1]).
- وأخيرًا، فإن الشميمري وسرور (2014) يعرفان حاضنات الأعمال بأنها :
“وحدة خدمية تهدف إلى تحويل الأفكار والابتكارات إلى مشروعات اقتصادية منتجة، وذلك من خلال تقديم عدد من الخدمات لرواد الأعمال، تشمل التأهيل، والدعم المادي والمعنوي، والاستضافة، والإرشاد”.
ولكي يتم إيضاح مفهوم الحاضنات كتعريف إجرائي، فمن المهم معرفة وصف الأنشطة التي تؤديها الحاضنات. فقد قدم ميريفيلد Merrifield (1987) قائمة بتلك الأنشطة، هي:
- توفر مكانًا طبيعيًّا آمنًا، ومرنًا، ومزودًا بالمعدات، يمكن لرائد الأعمال أن يعمل فيه (نهارًا وليلًا).
- توفر خدمات اتصال جاهزة يمكن التواصل بالآخرين من خلالها.
- توفر استشارات مهنية، وإدارية، وتقنية مع بعضها البعض، مع الاتصال بمصادر رأس المال، ورأس المال الجريء، ومنح الولاء، وتمويل القروض، وتمويل حقوق الملكية.
- عادة تنشأ الحاضنات في الجامعات التي يمكن أن توفر اتصالًا إضافيًّا بكفاءات عالية التخصص، وتسهيلات حوسبة، واختيارات بين منظومة من التخصصات.
- تنتج مجتمعًا تداخليًّا من رواد الأعمال، والأكاديميين، والأعمال المهتمين الذي يحفز عملية الحضانة الهشة ويشجعها في بعض الأحيان.
- تعمل كقنطرة مع المجتمع، والمنشآت المشيدة، التي تبحث عن نافذة للتقنيات والابتكارات، ويمكن أن توفر نموًّا لرأس المال للمشاركة في حقوق الملكية.
ويلاحظ أن كل التعريفات السابقة تشترك في خواص المكان المناسب، وخدمات الدعم، والاستعداد للتدريب، والإرشاد، وإدارة الملكية الفكرية Intellectual Property (IP)، وشبكات العلاقات بين المقيمين في الحاضنة من ناحية، وبين الخبراء الخارجيين وخريجي الحاضنة من ناحية أخرى.
ويمكن أن تكون الحاضنة كينونة غير هادفة للربح، أو تنظيمًا هادفًا للربح. ويمكنها أن توفر مدى واسعاً من الخدمات التي تشمل المساعدة الإدارية والاستشارية، ومكانا للمكتب، وتسهيلات مشتركة، ومعدات مشتركة، وخدمات إدارية مشتركة ودعم أعمال أخرى. حيث تحقق المشاركة في الموارد تقليل تكاليف التشغيل لكل مستأجري الحاضنة.
والحالة التقليدية للمحتضنين أن تبقى الأعمال المبتدئة التي تنشأ وتتطور في مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، والانتقال (التخرج) بعد ذلك من الحاضنة إلى السوق لإتاحة المكان للمزيد من الشركات الناشئة. والهدف من الحاضنة هو مساعدة المؤسس (المؤسسين) في نمو الأعمال إلى المستوى الذي يمكنها أن تقوم بذاتها بمفردها.
وبحسب مجلس الأعمال الصغيرة (Small Business Council, 1988) فإن الحاضنات تتكون من خمسة أبعاد، هي:
- تطوير المنشأة الناشئة.
- شبكة استشارات أعمال.
- التعاون في ريادة الأعمال.
- موقع عمل مرن ومحتمل التكاليف.
- خدمات مكتبية مشتركة.
الشكل رقم (1-2) أبعاد الحاضنات
تبين هذه الأبعاد الخمسة الغرض من حاضنات الأعمال، ومنفعتها، وتصميمها، وكيفية إدارتها. ويمكن أن نستنتج من هذه الأبعاد أن الحاضنات يمكنها توجيه المزيد من الانتباه لـ “تنمية الأعمال”، و”استشارات الأعمال”، وإنتاج “تعاون ريادة الأعمال”، و”خدمات المكتب”. إلا أن تحليل نسبة الوقت الذي يقضيه مدير الحاضنة مع العملاء ومراجعة طبيعة الخدمات التي تقدم، سيكشف أن فكرة “القيمة المضافة” للعمليات الداخلية للشركات المستأجرة لتلك الحاضنات لم تكن ذات الأولوية الأعلى في أذهان بعض مديري الحاضنات كمفتاح للنجاح.
وقد يكون من المزعج أيضًا معرفة أنه في المتوسط 75% من الأوقات التي يقضيها مديرو الحاضنات تنفق على مسؤوليات غير موجهة للحاضنة، كما أنها تنفق على الاهتمام بالعقارات المتعلقة بالحاضنة كتحصيل الإيجار والصيانة وإدارة التجهيزات بها. كما أن 10% من متوسط وقت المدير كان ينفق في العمل مع المستأجرين.
فإذا كان للحاضنات أن تحقق إمكانياتها كأدوات تنمية اقتصادية مفيدة، وإنتاج ثروة أكبر، وتساعد على إنتاج فرص وظيفية أكثر، فعلى ذلك يمكن أن يكون للمعلومات والتوجيهات عن الأساليب الأكثر فعالية أثر في تسهيل نمو ريادة الأعمال. ويمكن أن تساعد الحالات الدراسية التي توضح الأمثلة العملية لأفضل الممارسات العملية في فهم الطرق الأكثر فعالية. ويتم الحصول على المعلومات عن الأساليب التي تبنتها برامج الحاضنة لتعزيز سعتها لتسهيل النمو في عملائها عن طريق مراجعة برامج حاضنات الأعمال التي تستخدم طرقًا مختلفة.
ومن المفهوم جيدًا أن مديري الحاضنات يلعبون دورًا صعبًا بشكل يومي، فهم يمشون على خط دقيق في إدارة المكالمات المتعارضة في أوقاتهم. وترتبط إحدى الطرق المستكشفة ببعض العمق في هذه الدراسة بالمقاييس الابتكارية، التي استخدمها بعض مديري الحاضنات في رفع موارد وقتهم الذاتي إلى أفضل حال. ويقود هذا بثبات إلى اعتبار الكيفية التي يمكن لمدير الحاضنة أن ينسق الناس، غير نفسه، في العمل مع عملاء الحاضنة.
– [1] الحناوي، محمد صالح و آخرون ،(2001).” حاضنات الأعمال “، الدار الجامعية ، الإسكندرية، مصر، ص26.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected] [email protected]