أشرنا فيما سبق إلى أن هناك عدداً من الأسباب التي تجعل المنشآت تميل إلى الأخذ بالأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات، وذكرنا أن هذه الأسباب تتمثل في المعلومات والالتزام بالتنفيذ والإبداع والتطوير. انطلاقًا من هذه الأسباب، فإننا سوف نتحدث هنا عن مزايا وعيوب الأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: مزايا الأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات
من بين المزايا التي يحظى بها الأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات ما يأتي:
- التأكيد على مبدأ الشورى.
على الرغم من ميل منشآت اليوم إلى الأخذ بالأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات، إلا أنَّ هذا الأسلوب يكاد يكون موجوداً في جميع الحضارات السابقة. بل يمكن القول بأنَّ مبدأ الشورى في اتخاذ القرارات يعد من بين المبادئ التي حث الإسلام على الأخذ بها بين المسلمين في تدبر الأمور ومواجهة المعضلات. والشورى تعد أحد مقومات وخصائص الإدارة في الإسلام. يقول الله سبحانه وتعالى: (وشاورهم في الأمر) آل عمران: 159، ويقول تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) الشورى: 38. وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم في إدارته للدولة الإسلامية على الشورى حيث كوَّن مجلساً من أربعة عشر نقيباً أختارهم من أهل الرأي والبصيرة، كما سار الخلفاء الراشدون على دربه في الشورى حيث كانوا يستشيرون أصحابهم في كثير من الأمور. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في هذا الشأن: الرأي الفرد كالخيط السحيل، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مراراً لا يكاد ينتقض.
- الوصول إلى قرارات أفضل
تعد المشاركة في الإدارة ذات فائدة كبرى في اتخاذ القرارات وذلك لأنَّ الجماعة عادة ما تؤدي دوراً أفضل من الفرد في حل المشكلات المعقدة. لهذا فإنَّ استخدام الجماعات من أجل حل المشكلات، واتخاذ القرارات يعد أسلوباً ملائماً بالنسبة للقرارات غير الروتينية التي يتم اتخاذها تحت ظروف المخاطرة وعدم التأكد.
- الوصول إلى بدائل أكثر
عادة ما تقدم الجماعة وجهات نظر مختلفة وعدداً من البدائل بالنسبة للمشكلة المطروحة أمامهم، وبهذا فهي عادة ما تكون أكثر إبداعاً من الفرد. فأعضاء الجماعة يستطيعون أن يستفيدوا من أفكار بعضهم بعضاً ويطوروها بما يخدم تحسين نوعية البدائل التي يتوصلون إليها، وقد ذكرنا هذه الميزة سلفاً باعتباره من الأسباب التي تدفع إلى الأخذ بالأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات.
- القبول
لقد أثبتت الدراسات في مجال اتخاذ القرارات أنَّ فرص التطبيق الناجح للقرارات من الممكن أن تكون غالبًا متحققة إذا ما أتيحت الفرصة للأطراف المتأثرة بهذه القرارات بأن تشارك في عملية اتخاذ القرارات. ذلك أنَّ الآلية أو الأسلوب الذي يتم به اتخاذ القرار غالباً ما يعني الكثير للأشخاص، مقارنة بالقرار نفسه. فالقرار المبني على الإجماع، على سبيل المثال، يؤدي إلى شعور الأشخاص المشاركين بالحماس، والملكية، والالتزام نحو تنفيذ القرار.
- رفع الروح المعنوية
إنَّ استخدام أسلوب المشاركة في حل المشكلات واتخاذ القرارات يعد مكافأة في حد ذاته، حيث إنه يؤدي إلى شعور الأطراف المشاركة في القرار بالرضا عن الدور الذي تقوم به. ذلك أن المشاركة تؤدي إلى تحسين مستوى فهم أعضاء الجماعة لآلية اتخاذ القرارات والأسباب التي على أساسها تم اتخاذ هذا القرار. بل إن المشاركة في اتخاذ القرارات تؤدي إلى تحسين عملية الاتصال بين الأفراد والوحدات الإدارية في المنشآت التي يعملون بها.
ثانياً: عيوب الأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات
على الرغم من المزايا التي يحظى بها الأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات، إلا أن هناك بعض العيوب التي تكتنف هذا الأسلوب، وهي على النحو الآتي:
- استهلاك الوقت: إن العمل الجماعي غالباً ما يستهلك وقتاً أطول في اتخاذ القرارات، مقارنة بالوقت الذي يستهلكه الفرد. فالموظفون الذين يشاركون في حل المشكلات واتخاذ القرارات لا يؤدون في واقع الأمر عملاً إنتاجيًا. لهذا السبب فإن اتخاذ القرارات من خلال الجماعة غالباً ما يكلف الكثير من الوقت بالنسبة للمنشأة.
- الهيمنة من قبل بعض الأعضاء: من عيوب العمل الجماعي سيطرة عضو أو بعض أعضاء الجماعة على نقاش الجماعة وبالتالي التأثر في القرار الذي يتم التوصل إليه. بل إنَّه في حالة الجماعة الكبيرة ربما تنشأ جماعة أو جماعات فرعية صغيرة ويحل الصراع بينها، ويصبح الهدف تحقيق المكاسب الذاتية بدلاً من محاولة التوصل إلى الحل الأفضل للمشاركة والذي يُعبِّر عن رأي المجموعة.
- التأثر بما يسمى بالتفكير الجمعي والحرص على الاتفاق مع رأي الجماعة: من الممكن أن يشعر بعض أعضاء الجماعة بالضغط الذي يجبرهم على قبول الحل أو القرار الذي تتوصل إليه الجماعة دون محاولة منهم لتمحيص هذا الحل والتأكد من فعاليته، وذلك خوفاً من أن يعزلوا عن بقية الأعضاء أو قد تتم مهاجمتهم والرد عليهم من قبل الأعضاء المؤثرين. هذا السلوك الذي يطلق عليه مسمى «التفكير الجماعي» أو «محاولة التطابق مع رأي الجماعة» غالباً ما يؤدي إلى إعاقة فعالية الجماعة في اتخاذ القرارات بحيث يصبح وجود هذه الجماعة شكلي وضار على أداء أعضاءها وبالتالي نتائج القرارات التي يتوصلون إليها.
- تشتت المسؤولية: عندما يتم اتخاذ قرار من قبل الجماعة فإنَّ مسؤولية هذا القرار غالباً ما تكون متشتتة بين أعضاء الجماعة مما يجعلهم لا يشعرون بالفعل بكثير من المسؤولية الشخصية اتجاه هذا القرار. وعلى أية حال فإن المديرين يعدون مسؤولين عن أي قرارات يتم اتخاذها في منشآتهم، بغض النظر عن الأسلوب الذي تم به التوصل إلى هذه القرارات. ذلك أن بإمكان المديرين تفويض صلاحياتهم إلى الجماعة فيما يتعلق باتخاذ القرارات، لكنهم يظلون في الوقت نفسه مسؤولين عن هذه القرارات. لذا فإن المديرين يحتاجون إلى المهارات التي تمكنهم من توظيف الجماعة بفعالية في عملية حل المشكلات واتخاذ القرارات.
وبغض النظر عن مزايا وعيوب الأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات، فإنَّه يمكن القول: إنَّ الاختيار بين الأسلوبين الفردي والجماعي في اتخاذ القرار ينطلق من طبيعة الموقف الذي تحدده عدة عوامل ينبغي أخذها في الاعتبار عند تقرير اختيار أي من الأسلوبين، وهذه العوامل، هي:
1.الرغبة في الوصول إلى حلول أو بدائل تتسم بالإبداع.
2.مقدار الوقت المتاح لمناقشة المشكلة.
3.مقدار أو كمية المعلومات المتاحة لدى الفرد أو الجماعة.
4.مدى ضمان قبول المرؤوسين للحل أو الحلول التي سوف يتم التوصل إليها ومن ثم تطبيقها.
5.حاجة العاملين في المنشأة إلى التفاعل الاجتماعي.
6.الحاجة إلى زيادة التلاحم بين أعضاء الجماعة.
7.الحاجة إلى التطوير الشخصي والوظيفي للعاملين في المنشأة من خلال إشراكهم في عملية اتخاذ القرار.
8.تجنب احتمال حدوث صراع بين أعضاء الجماعة، الذي قد يعيقها عن الوصول إلى الحلول الإبداعية الملائمة.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected] [email protected]