هل اكتملت أضلاع التفوق ؟

هل اكتملت أضلاع التفوق ؟

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

استبشر المتخصصون والباحثون بقرار إنشاء إدارة عامة للترجمة تابعة لشعبة الخبراء في مجلس الوزراء السعودي. فقد كان هذا القرار بمثابة إكمال لأضلاع التفوق الصناعي الثلاثة ( الترجمة، والبحث العلمي، والجودة ) التي عملت من خلالها اليابان لتحقق هذا التقدم الصناعي المشهود والريادة التكنولوجية في العالم. وهذا الاستبشار يقودنا في حقيقة الأمر إلى مراجعة متأنية لبقية الأضلاع من أجل أن تحقق أهدافها وتتعاضد كي تؤهل البلاد إلى حقبة صناعية حديثة.

فالترجمة المنشودة من هذا الجهاز الجديد نأمل أن تشمل شتى مجالات المعرفة من إدارة واقتصاد وسياسة واجتماع وصناعة وتجارة وعلوم وتقنية وثقافة وتاريخ. فالنهضة الحضارية تتطلب وعياً شاملاً واطلاعاً واسعاً للمجالات المختلفة والمعارف المتنوعة. كما تتطلب متابعة سريعة للمستجدات والمستحدثات في العلوم المتجددة والمتغيرة. وبغير ذلك سيصعب علينا أن نبني أجيالاً مبتكرة ومبدعة تدلف عالم التفوق الصناعي الضيق.

كما يؤمل من هذا الجهاز أن تكون مخرجاته المترجمة قد وضعت وفق خطة خمسية مدروسة حددت فيها أولويات الترجمة المتوازنة بين العلوم لخدمة أغراض التنمية الشاملة في البلاد. وأن تكون هذه المخرجات منشورة وفي متناول المهتمين على مختلف فئاتهم، والباحثين على مختلف تخصصاتهم، فتصبح المعين العملي المنساب يستقي منه كل ظمآن.

أما حينما يقتصر نفع هذه الترجمة على قطاع محدود وفي مجال محدد فإن هذا الضلع سيبقى واهناً وعاجزاً عن حمل باقي أضلاع التفوق الصناعي المنشود.

أما الضلع الثاني أي البحث العلمي فلا مشاحة أن العالم العربي بأسره يعاني من قصور شديد بالاهتمام بالبحث العلمي والتطوير كما أن العقلية العربية لا تزال تستنكف عن الاعتماد على الدراسات العلمية والبيانات الإحصائية في اتخاذها للقرارات الروتينية ناهيك عن بذلها ودعهما لبناء المعلومة والسعي لجمعها واستنباط مدلولاتها. فالقرار الإداري العربي لا يزال يعتمد على الحدس الشخصي والخلفية الاجتماعية، وما يفتأ أن يكيل للمعلومة العلمية والدراسة الأكاديمية بالتهم المتلاحقة كالبعد عن الواقعية والعيش في الأبراج العاجية والتقوقع حول الحلول المثالية. فلا غرو والحالة هكذا أن يكون البحث العلمي في أدنى سلم الأولويات وأن يكون عدد الباحثين العرب لكل مليون نسمة لا يتجاوز 318 شخص حسب تقارير اليونسكو. كما أن المعدل العالمي للإنفاق على البحث والتطوير من مجمل الدخل العالمي يعادل 16 ضعفاً لمعدل حجم الإنفاق العربي الذي لا يتجاوز على أفضل تقدير  0.05% من إجمالي الدخل القومي العربي.

إلا أنه يجب أن لا نغفل أننا في هذا الوطن قد خطينا خطوات جادة ومشجعة نحو الالتفاتة للبحث العلمي ، فوجود جهاز إداري للعلوم والتقنية هدفه الأساس دعم البحث العلمي والتطوير والابتكار، بالإضافة إلى دور الجامعات الجوهري في دعم الأبحاث العلمية، يعد أمراً باعثاً للأمل. لكن الجهتين السابقتين بما تعاني من تضخم في المسئوليات وتجاذب في سلم الأولويات ومحدودية في الإعانات لم تنهض بالبحث العلمي كما ينبغي أن ترقى له هذه البلاد ويتناسب مع ما ترنو إليه من ريادة ومواكبة وتطور.

أما الجودة  الضلع الثالث من أضلاع التفوق الصناعي فقد لاقت روجاً كبيراً في مطلع التسعينات الميلادية وأخذت الأجهزة الإدارية والقطاعات المختلفة تتجه بقوة نحو تعزيز مفهوم الجودة الشاملة في خدماتها ومنتجاتها وإجراءاتها ونظمها. إلا أن هذا التوجه الرشيد لم يلبث أن خبا بعد زمن قصير قبل أن يكمل نموه وينضج عوده لكي تصبح الجودة ثقافة تتوغل في ممارسات المواطن العادي. وبقيت بعض المؤسسات الداعية إليها والمطبقة لبعض أبعادها تتمحور حول عناصرها الملموسة كالمواصفات والمقاييس، وأخرى لا يتجاوز طموحها الأغراض التسويقية التنافسية المرحلية كالجوائز والشهادات والتي بدأت هي الأخرى تختفي مخفية معها الدعوة الملحة للاهتمام بالجودة الشاملة المستمرة.

إننا ونحن أمام تحديات اقتصادية قادمة ومنافسة عالمية مقبلة في حاجة إلى بعث هذه المفاهيم من جديد، فنحن ولله الحمد نمتلك الرؤية الواضحة كما نمتلك البنية الأساسية والأجهزة المعنية والإنسان الطموح، بل ونملك البرامج والأنظمة المطلوبة لكننا بحاجة إلى تفعيلها ثم التأكيد على استمرارها وتعهدها لتسهم دوماً في التوجه الثابت نحو التفوق الصناعي.

 

د. أحمد بن عبدالرحمن الشميمري

جامعة الملك سعود – فرع القصيم

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]