مما جاء في كلمة الأمير نايف بن عبدالعزيز في احتفالية الشرق الأوسط بمرور 25 عاماً على إصدارها التي أقيمت قبل أيام أن “مسئولية القلم عظيمة جداً لا يتصدى لها إلا من أوتي العلم والحكمة والمعرفة” و”إذا كانت الرصاصة قادرة على قتل فرد، فإن الكلمة قادرة على قتل أفراد”. نعم .. فالكلمة تجتمع فيها سمات الخير بأنواعه وسبله، وصفات الشر بأشكاله وطرقه. ولكم نصرت الكلمة أمماً وأطاحت بأخرى، ولكم ارتقت بمجتمعات ودمرت أخرى، ولكم استنارت بفضها عقول ونمت وتفوقت، ولكم بأحرفها تحجرت عقول وانحرفت وضلت وأضلت.
وفي اليوم الذي يصرح به سمو وزير الداخلية بهذه الأخلاقيات الصحفية الهامة يرحل عنا أحد رجال الكلمة السامية الذين قادتهم كلماتهم إلى زعامة الجماهير بعد قيادة القلوب. وكانت كلماته الحرة سداً منيعاً أمام الشيوعية والدكتاتورية التي حاولت إذابة معالم الإسلام في البوسنة. إنه الزعيم البوسني علي عزت بيجوفيتش الذي كانت مقالاته التي نشرت في مجلة تاكفين التي يقرؤها ما يزيد عن 50 ألف مسلم بمثابة الوقود المتأجج الذي يشعل معاني العزة الإسلامية في النفوس المضطهدة في حقبة التنكيل الشيوعي في الستينات والسبعينات الميلادية. وفي أعقاب وفاة الدكيتاتور تيتو نشرت تلك المقالات بكتاب سماه ( البيان الإسلامي) فكان ذا أثر بالغ على النفوس والهمم، فأثار زوبعة عارمة وصرخات مدوية في جنبات البلاد أحيكت على إثرها المكائد والتهم لتودي بصاحبها غياهب السجون بحكم صوري مدته 14 عاماً خرج بفضل الله قبلها بعد محاكمة أخرى. ولم تقف كلماته عند ذلك، بل ألّف في سجنه كتاباً قيماً سماه (الإسلام بين الشرق والغرب) فكان سفراً نفيساً قدم الإسلام بصورته النقية للأجيال القادمة، وكان بمثابة النداء الفكري الذي يسعى إلى تعايش الشرق مع الغرب بسلام وأمان. وبرحيل الزعيم البوسني يرحمه الله يرحل أحد رجال الكلمة الصادقة ذات الأثر الفعال بصدقها وإخلاصها وسمو دوافعها.
وهكذا نريد لكتّابنا جميعاً. نريد كتّاباً تذوب مصالحهم الفردية أمام مصالح الوطن، وتختفي مقاصدهم الشخصية أما منافع المجتمع وقاصد بنائه والحرص على تماسكه وترابطه.
بالأمس القريب قرأت مقالاً لمن يكتب عموداً في صحيفة يصب فيه جام غضبه على إحدى الجامعات لأن قريبته لم تقبل! وآخر أخذ يتصيد أخطاء الجمعيات الخيرية ويضخمها لأن أحد جيرانه الذين يقاطعهم يقود إحدى تلك الجمعيات! وثالث نصب نفسه قاضياً وخصماً لمركز تنموي نسوي بارز تتطلع المنطقة التي نشأ فيها بأن يتبوأ دوراً ريادياً في رعاية الأسرة وتبني برامج الإرشاد والتوجيه بأسلوب علمي حضاري يتجاوز تلك الأنشطة التقليدية العتيقة وتمتد أنشطته الأسرية لتشمل كافة أرجاء البلاد تكريماً لمن يحمل أسمها وعرفاناً لمكانتها الكبيرة في تاريخ هذا الوطن. قام الكاتب بذلك الهجوم لمجرد أن زوجة صديقه لم تكن أهلاً للمسئولية للعمل في ذلك المركز فطردت! فلا غرابة وحال بعض الكتّاب هكذا أن تكون أعمدتهم مرتعاً للمتسلقين والنفعيين.
الكلمة أمانة وعندما يضيعها الكاتب فيجيّرها لحساباته الخاصة يسقط هو ولو بعد حين وتبقى الكلمة شامخة راسخة.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر من رأي قد يناسب الزمان والمكان والظرف الذي قد كتب حينه وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال كما يدور الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ الإدارة والتسويق، جامعة الملك سعود،الرياض [email protected] [email protected]