الحوار والوطني ..  ومجالس المناطق | National Dialogue and regional councils

الحوار والوطني ..  ومجالس المناطق | National Dialogue and regional councils

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

الاقتصادية 18/11/1424 (2004)

من التوصيات البارزة لمؤتمر الحوار الوطني في دورته الثانية والتي رفعت إلى قيادة هذه البلاد، التأكيد على المشاركة الشعبية وتوسيع صلاحيات مجالس المناطق وتطويرها. هذه التوصيات بلا شك توصيات عامة تقع في مجملها ضمن منهجية التعميم الإنشائي الدارج في المؤتمرات التقليدية. وقد يرجع ذلك إلى اتساع دائرة الموضوعات المطروحة وتشعب مظاهر التحديات وتعدد طرق المعالجة وحماس المشاركين بل إخلاصهم في دفع عجلة الإصلاح المباركة بأسرع وقت ممكن. وما كان للمؤتمرين أن يخرجوا بأكثر من ذلك مع تعدد المحددات من وقت وجهد واستعدادات. وأخشى أن يساهم تكرار هذه اللقاءات كل شهرين أو ثلاثة إلى اتخاذ منحى العمومية منهجاً وسمة، والانهماك بالترتيب للقاء تلو اللقاء فتكون لقاءاته امتداداَ لما نشاهده من مؤتمرات وندوات أخرى اصطدمت توصياتها العامة بالواقع البيروقراطي المحبط الذي أفرغ تلك الندوات والمؤتمرات من روحها لتغدو مراسم احتفالية وحفلات إعلامية لا أكثر.

وإذا عدنا إلى توصية مؤتمر الحوار الوطني حول تطوير مجالس المناطق ودعمها بصلاحيات أكبر نصطدم بعوائق عديدة تنظيمية وإجرائية ومرجعية لا حصر لها. ويزيد تلك التوصيات بعداً عن الواقع نقص المعلومة الأولية اللازمة لتقديم طرح واقعي مستقبلي يتناغم مع توجهات الهيكلة للدولة. وللأسف الشديد فإن تقارير اللجنة التحضيرية للتنظيم الإداري المعنية بوضع الهياكل الإدارية الجديدة لمؤسسات الدولة تحاط بسرية وكتمان. ولم نسمع اللجنة تتحدث عما تنوي القيام به أو أن تطرح توجهاتها الأولية للحوار والمداولة إلا في حدود ضيقة جداً. فتنحرم هي أولاً من الآراء المتعددة والرؤى المختلفة لأنواع الهياكل المتناسبة لبيئات ذات صفات متعددة. ويبقى المهتمون والمراقبون يتحسسون الأخبار أملاً في استبصار توجه يبعث الأمل لديها بأن مستقبلاً أفضل يرتقبها. صحيح أن ما تم تحقيقه من هياكل جديدة أمر يدعو إلى التفاؤل والاستبشار لكن ما تبقى من مؤسسات وأجهزة حكومية تعتبر الأصعب والأكثر حساسية وتأثيراً على مسيرة الإصلاح الشامل.

وفي رأيي المتواضع فإن موضوع تفعيل وتطوير مجالس المناطق أمر واسع يتجاوز حدود الإجراءات التفصيلية الضيقة والتنظيمات الترقيعية المؤقتة إلى طرح مسائل استراتيجية أنجع وأحكم، تبدأ من المرجعية حتى صلاحيات التنفيذ والمتابعة والمسائلة. فالتطور الذي شهدته المملكة في مناطقها المختلفة وقطاعاتها المتعددة أحدث عبئاً مضاعفاً على مسئوليات وزارة الداخلية حتى كلفت بما يثقل كاهلها ويشعب مسئولياتها وينهك هيكلها الإداري. في الوقت نفسه ازدادت مسئوليات إمارات المناطق نفسها للتجاوز الحدود الأمنية والجنائية والحقوق إلى التخطيط الاستراتيجي الشامل لتنمية المنطقة علمياً واجتماعياً وتقافياً ورياضياً وصحياً. وأصبحت الإمارات مطالبة بإحداث التوازن في التنمية الحضارية بشتى برامجها ومشاريعها.

والمتفحص في نظام مجالس المناطق الصادر في عام 1412هـ والمعدل في عام 1414هـ أي قبل ما يزيد عن عشر سنوات يرى مدى الطموح الكبير والرؤية الشاملة لمهام هذه المجالس. إلا أن واقع المرجعيات المختلفة، وهاجس تعدي الصلاحيات حال دون بلوغ المأمول. وأخذت القرارات البناءة والمبادرات الفاعلة تتأرجح بين جنبات الإطار الذاتي لأطراف المعادلة المعنية. وأصبحت ترجمة الصلاحيات تقع هي الأخرى ضمن تأثير ونفوذ قوى تلك المعادلة.

ويلحظ المتفحص لنظام مجالس المناطق والمجالس المحلية لتنمية وتطوير المحافظات والمراكز أن مهام الموكلة إليها ضخمة والمسئوليات عظيمة والآليات متعددة والبرامج كثيرة تتطلب “وزارة” لوحدها. تعمل تلك الوزارة على ترسيخ مبدأ الحكم المحلي وتقدم لنظام مدني حديث يتناسب مع طبيعة المناطق المترامية داخل الوطن الكبير. فإذا أخذنا على سبيل المثال مهام المجالس المحلية وحدها وأريد تنفيذ تلك المهام تبين لنا حجم العمل الضخم لمجموعها الكبير. فهي معنية باقتراح احتياجات المحافظات، وترتيب أولويات المشاريع المختلفة، ووضع المقترحات التنموية، ومساعدة مجلس المنطقة فيما يتعلق بمقترحات الميزانية السنوية والخطة الخمسية للمشاريع والخدمات، وتقدير الاحتياجات الفعلية للمحافظات، وتنسيق الخدمات العامة والمراكز التابعة لها، ومتابعة تنفيذ جميع مشروعات التنمية المحلية بالمحافظة، وتوعية السكان، وتشجيع الإسهام في مشاريع النفع العام من أنشطة خيرية وثقافية ورياضية واجتماعية وسياحية. هذه المهام تفوق إمكانات مجلس محلي بما يتوفر لديه من محدودية الموارد البشرية والمادية المرصودة ضمن بند من بنود ميزانية إمارة تحت بند من بنود ميزانية وزارة.

إن الرؤية الشاملة للتطوير تتطلب مراجعة دقيقة وتقويم عميق لمنجزات هذه المجالس ومدى تحقيقها لأهداف الدولة وما وضعت من أجله. ولا يتصور أن توضع مقترحات جديدة وهيكلة متطورة دون الاستبصار بأراء من خاض تلك التجربة من رؤساء لمجالسها أو أمناء لها.

وأخيراً فإن الدور المأمول من مؤتمر الحوار الوطني أن يطرح حلولاً ومقترحات محددة تكتمل فيها الرؤية وتتجسد من خلالها النظرة المتجردة الساعية إلى تقديم مصلحة الوطن على مصالح مؤسساته المختلفة. وأن يكون له منهجية طرح متميزة تقع بين إعداد القوانين وسن التشريعات المعني بها مجلس الشورى وبين الطرح النظري العام الذي تتكرر صوره في أغلب الندوات واللقاءات العلمية والرسمية المتزاحمة. ولا نتوقع أن تتكرر تلك الأوراق القديم والمعدة مسبقاً بغرض ملء جدول أعمال المؤتمر والحوار من أجل الحوار.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر من رأي قد يناسب الزمان والمكان والظرف الذي قد كتب حينه وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال كما يدور الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ الإدارة والتسويق، جامعة الملك سعود،الرياض   [email protected]  [email protected]