رأس المال الجريء الذي يسمى أحيانا رأس المال المغامر أو المخاطر هو ببساطة تمويل بالمشاركة لمرحلة إنشاء مشروع مبتدئ ذي إمكانية نمو عالية. وهو عبارة عن أسلوب حديث لتمويل المشاريع الاستثمارية بواسطة شركات تدعى بشركات رأس المال المغامر. وهي لا تقدم التمويل المالي فحسب كما هو الحال في تمويل البنوك بل تقوم على مبدأ المشاركة، حيث يقوم المشارك بتمويل المشروع بجزء من رأس المال يراوح عادة ما بين 10 إلى 30 في المائة دون ضمان العائد ولا مبلغه، وبذلك فهو يخاطر بأمواله ولا يضمن عوائده. وهو مجال مهم لمساعدة المشروعات الصغيرة التي تواجه صعوبات التمويل، والتي يحجم معظم المصارف عن منحها القروض نظراً لعدم قدرتها على توفير الضمانات.
وكما هو معلوم عالمياً فإن توافر هذا النوع من التمويل يدفع بالاقتصاد الوطني إلى مزيد من التوسع وتنشيط الحركة الاقتصادية، ويساهم بجدية في خلق فرص العمل في الوطن. وكما أكد الباحثون فقد ازدهرت الثورات الصناعية، الإلكترونيات والمعلومات الدقيقة والتكنولوجيا الحديثة وغيرها من الصناعات ازدهارا مذهلا بفضل التمويل برأس المال المخاطر، حيث أضحت تلك المشروعات بعد سنوات قليلة مشروعات متوسطة ناجحة قفز أغلبها بعد ذلك إلى مصاف المشروعات الكبرى التي تغزو منتجاتها وخدماتها أسواق العالم كافة. والأمثلة على ذلك كثيرة، فهوت ميل، وفيس بوك، وأمازون دوت كوم، وأيفون للتجميل وشركة أبل الشهيرة، وكذلك شركة مايكروسوفت العملاقة وغيرها كثير قامت على رأس المال المخاطر.
وبحسب تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD فإن رأس المال الجريء يساهم بما يزيد على 100 مليار دولار سنويا لتمويل المشروعات على مستوى العالم. وانتشر هذا الأسلوب في دول أدركت الحاجة إلى دعم الأفكار الإبداعية والمشاريع الابتكارية، وفتح المجال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لبناء اقتصاد المعرفة. وكان من أبرز تلك الدول هونج كونج وفنلندا وتايوان التي تأتي بعد أمريكا على التوالي. ففي تايوان وحدها هناك أكثر من 250 شركة تمويل برأس المال الجريء بمبالغ تمويلية تزيد على خمسة مليارات دولار سنوياً بحسب إحصائية عام 2006. ويقول أحد علماء ريادة الأعمال ”إن الممولين المغامرين هم من كانوا وراء تجسيد مختلف الابتكارات التي عرفتها البشرية، ولولا هؤلاء المغامرين لما وصل التطور التقني اليوم إلى ما وصل إليه”.
وفي المقابل فإن رأس المال الجريء لا يزال في مهده في معظم الدول العربية. وتبرز ممارساته المؤسسية في الإمارات والبحرين والكويت على استحياء، ويكاد يكون نادراً في السعودية. فالمؤسسات المستثمرة في هذا المجال لا تكاد تذكر. وأرى أن من أهم المحاضن والجهات التي ينبغي أن تدلف هذا المجال هي البنوك التجارية المحلية. التي يجب أن تعتبر هذا التوجه ليس مجرد توجه استثماري مربح، بل مجالاً رشيداً للمساهمة المسؤولة في تنمية اقتصاد الوطن والمشاركة في بناء مؤسساته الابتكارية المنتجة.
وللحقيقة فإن البنوك مطالبة بالكثير لدعم الشباب المبادر. فنطمح أن توجد تلك البنوك عروضاً خاصة برواد الأعمال تفتح المجال للائتمان الريادي. وبمعنى آخر أي تقوم بتمويل كل من يريد أن يبدأ مشروعاً بائتمان بلا فائدة. كما نتمنى أن توجد عروض مخصصة للمنشآت الصغيرة لا ترتكز على برامج الإقراض بل على مفهوم المشاركة لتقليل المخاطرة. البنوك أيضاً تستطيع أن تقدم الخدمات الاستشارية المجانية الخاصة بدراسات السوق ودراسات الجدوى وتصميم خطط العمل لرواد الأعمال. البنوك المحلية يعول عليها أن تقوم بنشر ثقافة الاستثمار طويل الأجل كما نشرت يوماً ما الاستثمار العاجل في سوق الأسهم وقدمت التسهيلات الكبيرة للمضاربين.
والمنشآت والمشاريع الصغيرة التي تعتبر أحد الحلول المهمة لمواجهة البطالة يجب أن تكون محاضنها البنوك التجارية، أو أن تبرز البنوك كأحد أهم الجهات المساندة لها. فالبنوك في الدول المتقدمة في الغرب والشرق تقوم بترويج الفرص الاستثمارية الجديدة والإسهام فيها، وذلك من خلال إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية والمالية للفرص الاستثمارية التي تنكشف أمامها، وأيضا الإعلان وبشكل منظم عن الفرص الاستثمارية ذات الجدوى وتسويقها لغرض تشجيع رواد الأعمال والمبادرين من الأفراد والشركات والمؤسسات للإقبال عليها وتنفيذها. والبنوك هناك لديها برامج وتسهيلات منظمة ومخصصة للمنشآت الصغيرة وإنمائها. هذا إضافة إلى مساهمتها الجادة في خلق المناخ الاستثماري الملائم للنشاط الاقتصادي في البلاد.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]