مقدمة
يمكن القول بأن العلامة التجارية (Brand Name) تعني تصور المستهلك عن الصفات المميزة لسلع أو خدمات شركة معينة. وقد عرفتها الجمعية الأمريكية للتسويق بأنها: “الاسم، أو العبارة، أو الإشارة، أو الرمز، أو أي صفة تميز بائع السلعة أو الخدمة عن البائعين الآخرين” (Schultz and Barnes 1999)
وقد أصبح الاهتمام بالعلامات التجارية أساساً وجوهراً في تسويق المنتجات والخدمات وسرعان ما انتقل المفهوم ليشمل مفهوم تسويق الأماكن والمواقع بما فيها المناطق والمدن والدول. وأضحى إدراك أهمية العلامة – كما يذكر Anholt (2002)- أمراً متفقاً عليه بين السياسيين والاقتصاديين كما هو الحال بين بالنسبة للتسويقيين وإن كان لكل منهم تعريفه الإجرائي المختلف. وقد عرف Konecnik (2004) علامة الأماكن بأنها “الأسماء، والصفات، والتصور، والشعور، التي تميز مكاناً عن آخر”.
وبتطور الاهتمام بعلامات الدول أصبحت علامة الدولة بالنسبة لها “رأسمال إستراتيجي”، فهي تجلب لها نفوذا سياسيا و فوائد اقتصادية كبيرة، فالدول بحاجة إلى إدارة التصورات عنها والتحكم بصورتها في العالم من أجل الاستفادة من ذلك في التعامل مع قضاياها ومصالحها الوطنية. كما أن العلامة مهمة أيضا بالنسبة للدول المتشابهة أكثر من غيرها كدول المنطقة العربية والدول الإفريقية ودول جنوب شرق آسيا، حيث يلاحظ ميل سكان كل منطقة من مناطق العالم إلى إطلاق تعميمات على منطقة أخرى تضم عددا من الدول والنظر إليها بمنظار عام لافتقادهم إلى أي تصور واضح ومتميز قدمته لهم دولة معينة من بين تلك الدول في ذلك الجزء من العالم البعيد عنهم.
وأوضح Yan (2003) أنه بعد أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من تداعيات أصبح الحديث عن الصورة الذهنية للدولة، والعولمة، والحرب على الإرهاب مفاهيم ذات أهمية كبرى للدول. وهي التي دفعت إلى الاهتمام بمفهوم وتطبيقات بناء العلامة. فعلامة الدولة سوف تساهم في تحقيق الحماية في المجتمع الدولي وتقلل من الاعتماد الكبير على الجهود الدبلوماسية المضنية للتعايش مع المستجدات الجديدة.
ولا شك أن نجاح الدولة في صناعة علامة لها في العالم يعود عليها وعلى شركاتها بفوائد عديدة. من أبرز هذه الفوائد ما يلي :
- تساعد العلامة للدولة على استقرار عملتها الوطنية واقتصادها بشكل عام.
- تساعد العلامة على استعادة أو تعزيز مصداقيتها الدولية وثقة المستثمرين بها، وتحافظ على مستوى مستقر من عمليات تقييم المؤسسات الدولية لها.
- تساعد العلامة على تسويق منتجاتها بمجموعها، وهو ما سيزيد من صادراتها ويفتح لها أسواقا عالمية أرحب ويعزز مساعي الدولة لحماية أسواقها المحلية، وتمهد لشراكات أقوى مع دول أخرى.
- تعزز العلامة جهود البناء الوطني الداخلي (الثقة، الفخر بالانتماء للدولة، الطموح، الوطنية، والولاء).
- تساعد العلامة على دحض التهم والشبهات الموجهة لها حكومة أو شعبا أو ثقافة، وتساعد على زيادة عدد زوارها والمسافرين إليها أو المارين بها.
- تعزز العلامة من فاعلية وتركيز برامج التسويق؛ بجذب زبائن جدد وتجديد ارتباط الزبائن السابقين والحاليين، وتقلل من الحاجة لحملات دعائية منفصلة لكل مكان وموقع في الدولة.
- تعزز ثقة أو ما يسميه البعض بولاء المستهلك تجاه العلامة؛ فعندما يرسخ في الأذهان جودة نوعيتها، ويرتبط ذلك باسم أو شعار أو وعد فإن ذلك سيؤثر على قناعة الجمهور والولاء لها.
ويعتبر بناء علامة الدولة تحدياً كبيراً، وبحسب ما يراه (Anholt (2002 فإن هناك عدد قليل جداً من الدول المحظوظة التي تمتلك علامة دولية قوية ومتميزة. وربما لا يوجد سوى ثلاثة أو أقل من تلك الدول من تمتلك علامة دولية إيجابية تخدم المجال الذي يمكن أن تتطور من خلاله تلك الدول مستقبلاً. أما البقية فجميعهم يواجهون عملاً شاقاً للوصول إلى سبل إدارة وتعزيز علاماتهم وصورتهم الدولية. إذ أن تغيير نظرة العالم لدولة ما ليس سهلاً كما لا يتوقع أن يتحقق في زمن قصير، وربما تطلب الأمر عشرات أو مئات السنين من الزمن.
ويبين (Anholt (2002 أن تسويق علامة الدولة ليس كتسويق علامة السياحة فيها. فتسويق علامة الدولة يتطلب مجهودات أكبر بكثير من تسويق السياحة فيها. إذ أن العلاقات الخارجية، والاقتصاد، والمناخ الاستثماري، والمبادلات التجارية الدولية، والاندماج في المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة الدولية، كلها عوامل هامة لتسويق علامة الدولة في حين أن بعضاً من هذه المتطلبات غير جوهرية لتسويق السياحة فيها. ومن أمثلة ذلك ايرلندا واسكتلندا فكلاهما يمتلكان مقومات سياحية رائعة ومواقع تراثية وطبيعية خلابة استقطبت ملايين السياح الأمريكان واليابانيين لكنها لم تستطع أن تستقطب آحاد الشركات الأمريكية أو اليابانية للاستثمار فيها لأن المتطلبات مختلفة.
وقد بينت بعض الدراسات أن بناء علامة تجارية لدولة ما يتطلب ثلاث خطوات هامة هي أولاً: فهم الفجوة التي تفصل بين ما ترغب أن تكون عليه الدولة وبين واقعها. وهذا الفهم يجب أن يكون نابعاً من مواطني الدولة أنفسهم. ثانياً: وضوح الرؤية بحيث تكون الرؤية الإصلاحية للدولة واضحة المعالم لمواطنيها ومتوافقة مع المتطلبات الدولية المرغوبة. وثالثاً: المشاركة الجماعية بحيث تتحسس الدولة موقف المواطنين من برنامج بناء العلامة وما إذا كان الأمر يحتاج إلى تعديل أو تغيير في مسار تنفيذه. وهذه المشاركة سوف تكون بمثابة المعزز لنجاح الخطوتين السابقتين. وأي برنامج قومي لبناء العلامة يستوجب الربط والتكامل مع الجهود الشاملة في كامل نظام الدولة (Yan 2003)
كما يذكر الباحثان (Morgan and Pritchard (2002 أن هناك أربعة عوامل رئيسة توثر على بناء العلامة وتحدد أبعادها. هذه العوامل هي السياسة، والبيئة الخارجية، وصفات المنتج، والقدرة على التميز. ولكي تنبني العلامة لمكان ما يجب أن تكون البداية منطلقة من بناء لب القيم المتوافقة مع المكان. هذه القيم من المفترض أن تكون مستديمة وليست عابرة أو وقتية، كما أنه يمكن نقلها أو منحها للآخرين بفعالية لا تفقدها قيمتها، ثم يفترض أن تكون متميزة ومختلفة عما يقدمه المنافسون، ومقدره من الجمهور المستهدف، وأخيراً تكون محببة يمكن من خلالها التواصل والاتصال بالآخرين.
ويؤكد (Anholt (2002 أن الدولة يمكن أن تغير من الانطباع حول علامتها إذا وضعت برنامجاً متوازناً مبنياً على دراسة عميقة لمكتسباتها وميزاتها التنافسية. ومن الأمثلة الحية على ذلك تجربة (صنع في اليابان) “Made in Japan” فقبل ثلاثين عاماً كان هذا الشعار سلبياً لدى كثير من الأسواق الأوربية والأمريكية ويعني لدى المستهلكين أنه منتج متهالك، ومن الدرجة الثانية، ورخيص. وكان من أهم دوافع شرائه في الأسواق أنه رخيص الثمن. وبعد أن تبنت دولة اليابان مفهوم الجودة العالية، والمنافسة الدولية، والسبق التكنولوجي أصبحت المنتجات اليابانية في طليعة المنتجات العالمية من حيث الجودة، والسعر المنافس، والتقنية العالية. فتحول التصور للعلامة في زمن قصير إلى تصور ايجابي رائد في العالم.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما الحال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان. ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]