الإرشاد الوظيفي .. مصطلح لا يعرف كنهه ولا معناه إلا القليل، ولم يتردد هذا المصطلح في الندوات المحلية، والمنتديات العلمية إلا قبل بضع سنين. فلم يكن من قبل يهمنا أن يكون إرشاداً أو لا يكون، واعتدنا حينما كنا طلاباً يافعين أن نسير كما يسير التيار العام والتوجه النمطي لكل الطلاب. فلم يكن لدينا تفريق في مسارنا العلمي إلا اللهم أن نلتحق في مرحلة الثانوية إبتداءً من الصف الثاني ثانوي بالقسم العلمي أو الأدبي. علما ً أن ذلك لم يكن يحدد مسارنا الوظيفي أيضاً. فكم ممن تخرجوا من القسم الأدبي وصاروا مهندسين وكيميائيين ومعماريين.
وهاهي تمر السنوات ونعيش حالة النضج العالمي لمفهوم الدول ونتجاوز ذلك إلى دفع ضريبة التأخر التخطيطي ببطالة متنوعة بأنواعها المختلفة ثم ندرك لاحقاً ونحرص على إقناع أنفسنا بأن المشكلات المتراكمة لا يمكن حلها إلى بعلاجات وأدوية متراكمة أيضاً عبر الزمن.
أصبحنا اليوم نتحدث عن الإرشاد الوظيفي كضرورة لكن لا ندري من المسئول، هل هي الجامعات التي لا تزال تضخ الأعداد الهائلة وتفتح أبوابها بتفاخر كعلاج مسكن حتى بلغ حجم الطلاب في التخصصات النظرية الجامعية أربعة أضعاف عدد الطلاب في التخصصات العلمية التطبيقية، الأمر الذي لايتوافق مع الخطط التصحيحية المستقبلية. أم التعليم العام الذي لا يزال يضع الوعود والخطط دون أن نرى لها واقعاً ملموساً ولو على سبيل التجربة الجزئية. أم وزارة العمل، أو مجلس القوى العاملة أو صندوق تنمية الموارد البشرية أم الغرف التجارية أم من المسئول عن ذلك؟
إن ما يمكن أ نجزم به أن الجدل الدائر حول علاقة التعليم بسوق العمل قد انحصر الآن، واتضح للمنظرين أنه لم يعد التعليم نفسه لمجرد التعليم والثقافة، بل لا بد أن تراعي مخرجات التعليم بالدرجة الأولى خطط التنمية القومية والمتغيرات في سوق العمل. ومن هذا التصور تظهر الحاجة الملحة إلى وجود توجيه مخطط للطلاب حول التخصصات المتناسبة مع الاحتياجات الحالية والمستقبلية للسوق.
إن المطلوب الآن من الأجهزة المعنية إنشاء وحدات ومراكز توجيه وظيفي أسوة بما هو الحال في الغرب المتقدم. فهناك يوجد في كل جامعة وفي كل مدينة وربما كل مدرسة ثانوية مركز للإرشاد المهني والوظيفي مهمة هذا المركز إرشاد الطلاب والطالبات نحو التخصصات المطلوبة، والسعي لتأهيل الطالب لسوق العمل من خلال الدورات المجانية حول كيفية البحث عن عمل، والمجالات المطروحة الحالية والمستقبلية في السوق، وكيفية كتابة السيرة الذاتية، وتجاوز مقابلة التوظيف بنجاح. وكذلك توفير أسماء وعناوين الشركات الراغبة في شغل الوظائف، ومعلومات كافية عن احتمالية الحصول على عمل في تخصص ما، وما هو الراتب المتوقع الحصول عليه، والمزايا الممكن القبول بها، ومعلومات عديدة ووفيرة فضلاً عن الإرشاد الشخصي وإجراء اختبارات شخصية وتجريبية لكل طالب وظيفة.
وما نرغب أن نراه في هذا الوطن مكاتب شبيهة تمتد خدماتها إلى التوجيه والإرشاد لكل طالب وظيفة، وبما أننا نعالج الأعراض الآن ولم نحدد بعد المسئوليات التكاملية فلا أقل من أن نبدأ بالجامعات ثم الثانويات، على أن يتزامن مع ذلك برامج توجيهية شاملة تبدأ من التعليم العام وتنتهي بتكاتف كافة الجهات التي لها علاقة بالعمل.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]