من المعلوم لدى الاقتصاديين والمتخصصين في تنمية الموارد البشرية أن تعريف البطالة وفق المقاييس العلمية الدولية لا يشمل كل من لا يعمل فهناك الأطفال تحت سن العمل والمتقاعدون ومن لا يرغب في العمل من الرجال والنساء. لكن الاقتصاديين والخبراء قد أجمعوا على أن العاطل يمكن تعريفه بأنه “كل من هو قادر على العمل , وراغب فيه ، ويبحث عنه ، ويقبله عن مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى “.
وإذا كان الاقتصاديون يختلفون في كيفية قياس معدل البطالة في بلد ما وفقاً لتعدد المتغيرات وطريقة إجراء الحساب وآليته، فإنهم لا يختلفون على قبول المعادلة الأساسية لحساب البطالة والتي تقرر أن معدل البطالة هو حاصل قسمة عدد العاطلين عن العمل على مجموع القوى العاملة مضروباً في مئة لتحديد النسبة.
وقبل قترة من الزمن ظهرت إحصائية رسمية في أكثر من مناسبة تفيد أن معدل البطالة لدينا لا يتجاوز 9%. وقد ناقش قبلي كثيرون مسألة التذبذب وعدم الثبات ووضوح المعايير لجميع الحاسبين لمعدل البطالة بما فيها الإحصائية الرسمية الأخيرة المتحفظة التي اختارت أكثر الشروط تحفظاً لتقيس من خلالها معدلات البطالة.
وعلى هذا فليس من المنصف والحال هكذا أن تحتكر أي جهة التنبؤ بمعدلات البطالة وتصف كل من يخالف رؤيتها بالخوض بالمتاهات والتخرصات!. كما أنه ليس من المنصف أن تكتسب التنبؤات المتحفظة جداً صفة الرسمية والمصداقية في حين أنها تقوم على آراء أخرى ووجهات نظر قابلة للنقد والتحفظ وربما للتشكيك بالموثوقية العلمية. فإذ اختار المسئولون عن القوى العاملة في حساباتهم أحد أطراف الخط المستقيم فلغيرهم أن يختاروا الطرف الآخر أياً كان طول الخط.
وما دفعني للكتابة أن بعض المسئولين عن القوى العاملة يضيقون ذرعاً كلما ظهرت إحصائية عن البطالة في المملكة سواءً من جهات خارجية وهيئات دولية أو من مؤسسات مالية داخلية. وإننا كشعب واعي نتفهم دور المسئول في ضرورة التقليل من حجم البطالة لكننا كذلك ندرك أن المعطيات الواضحة تتطلب تجرداً بالعرض وشفافية في الإفصاح تتيح لنا جميعاً متخصصين ومتابعين ومسئولين ومواطنين التعامل مع المشكلة بحجمها الحقيقي وشكلها الواقعي حتى نتمكن من وضع الحلول الأكبر حجماً لمواجهتها والحد من آثارها السلبية المستديمة.
وحري بنا أن نستنصح عندما نعلم أن الدول المتقدمة مثل بريطانيا قد ألغت الإحصاء القائم على أساس عدد المسجلين في البرامج الاجتماعية كعاطلين عن العمل واستعاضته بالإحصاء الذي تجريه منظمة العمل العالمية بحجة أن الحكومة يمكنها التحكم بالأرقام والنتائج. ومنذ أن وصلت الحكومة العمالية إلى سدة الحكم وبريطانيا تعتمد هذا الأسلوب وتجري مسحها الشامل شهرياً لتتحرى الدقة والمصداقية. وتبعت بذلك نفس الأسلوب الذي تتبعه أمريكا واليابان والسويد ودول متقدمة أخرى. فلا أقل ونحن على هذه الحال أن تتسع صدورنا لكل من تنبأ وخمن واجتهد من أجل مصلحة الوطن الكبير لا مؤسساته المعنية.