اتجهت بحماس و تفاؤل إلى مهرجان و معرض القصيم الأول للتمور، و أنا أتذكر تجربة أحد الزملاء الذي حضر قبل أكثر من عقد من الزمن مهرجان لمنتجي التمور في كاليفورنيا في الولايات المتحدة و هاله التجمع الضخم و الاهتمام الكبير بهذه الثمرة و منتجاتها و سبل الاستفادة من مشتقاتها و كيفية حمايتها و إرشادات زراعتها و الحفاظ عليها. فكان كلما تحاورنا عن التنمية الاقتصادية في منطقة القصيم بادرنا بسؤاله المعهود: ماذا قدمتم للنخلة؟ و كنا لا نملك أن نرد عليه سوى بما قدمته الدولة من دعم و إعانات للنخلة و بعض التجارب الفردية للتجار الذين دفعهم الحنين و الوفاء لعمتهم النخلة بأن يكرموها و يهتموا بها بعد أن كانت مصدر عذائهم الأساسي يوما ما.
و مهرجان التمور الأول في منطقة القصيم هو الخطوة الصحيحة الأولى و المبادرة المناسبة لدعم هذه الثمرة و الاهتمام بها. فدعم النخلة المأمول ليس مجرد رغبة في دعم التراث دون تفكير جاد و تخطيط سليم لجدواه الاقتصادية، بل من المفترض أن يكون اختيار استراتيجي على مستوى الدولة لتعزيز الميزة التنافسية الدائمة للمنطقة بصفة خاصة و للوطن بشكل عام. فالانفتاح الاقتصادي المرتقب سيزيد من المنافسة المحمومة في شتى المجالات التجارية و الصناعية و الزراعية و لن يبقى في الساحة و يتمكن من النمو و الاستمرار و النجاح سوى من يملك الميزة التنافسية المستمرة.
و النخلة ثمرة طبيعية أنتجت في منطقة القصيم أفضل أنواع التمور و أطيبها على المستوى الإقليمي و ربما العالمي أيضا. و يؤكد المزارعون الخبيرون أن بعض النبتات الجيدة تزداد جودة إذا زرعت في القصيم حتى و لو لم يكن مصدرها الأصلي القصيم. و هذا ما يدعونا إلى التفاؤل بمستقبل زراعي و إنتاجي كبير يمكن أن يحقق لنا موقعا تنافسيا جيدا بين الدول المصدره للمحاصيل و المنتجات الزراعية.
و لكن إذا نظرنا إلى ما قدمنا للنخلة من دعم و اهتمام فإننا نجده أقل من المتوقع و المأمول في ظل الإمكانات الضخمة و الدعم الكبير الذي يمكن أن يتهيأ في المملكة. فليس من المنطقي أن نبقى رغم كل هذه الإمكانات في المركز الرابع من بين الدول المصدرة للتمور؟ و أن نرى كل حين مصانع التمور و الشركات الزراعية تحقق الخسائر تلو الخسائر، و تعد تقليل خسائرها كل عام إنجازاً يشكرون عليه.
إننا في حاجة إلى جهود متناسقة من قبل المعنيين بالنخلة و المهتمين بالاستثمار في هذه البلاد. فالقطاع الخاص لم يجرؤ بعد لإنشاء المشاريع المخططة تخطيطا سليما و اقتصاديا لاستغلال و تصدير و تسويق منتجات النخلة، كما أن القطاع المصرفي لا يزال يعتبر القطاع الزراعي قطاعا غير مغرٍ اقتصاديا لأن عائداته تستغرق وقتا طويلا و لا تقارن بعائدات التجارة و الخدمات، فلم يخص قطاع الزراعة إلا بما نسبته 2.4% من جملة الائتمان الممنوح لمختلف القطاعات الاقتصادية. ليقبع هذا القطاع في المركز الأخير من دعم البنوك. و لا أقل في مناسبة كهذا المهرجان أن تكون فروع البنوك المحلية أول من يرعاها دعما و مشاركة.
و الأمل معقود أيضا بمبادرات مستمرة و موفقة من قبل أمانة المنطقة و الغرفة التجارية لإكمال هذه الخطوة الصحيحة بخطوات تالية كتكوين لجنة خاصة بالتمور كتلك اللجان المهتمة بالصحة و الاستثمار و الزراعة و التجارة تعين على إعداد المقترحات و المشاريع و الخطط الخاصة بدعم التمور و مشتقاتها و سبل تسويقها و تصديرها و تكون همزة وصل بين المراكز البحثية و الأكاديمية و الممارسين و التجار. كما نتطلع إلى أن يعقب هذا المهرجان مهرجانات و ندوات سنوية إقليمية تكون أكبر و أضخم و انظم.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]