إن قضية السعودة ذات أبعاد ومتغيرات عديدة يصعب حصرها في بعد أو جانب واحد لكن أبرز الفاعلين والمؤثرين فيها وقطبي المعادلة الأساسية هما القطاع الخاص ( الطلب) والقوى العاملة ( العرض) وفي هذا المقال يعرض الدكتور أحمد بن عبدالرحمن الشميمري أستاذ إدارة الأعمال المساعد في جامعة الملك سعود – فرع القصيم عوائق السعودة المتعلقة بالقطاع الخاص من وجهة نظر الخريجين ( القوى العاملة) ويناقش الأسباب التي تجعل الخريجين يزهدون بوظائف القطاع الخاص وبيئته العملية.
السعودة متباطئة
تؤكد التصريحات الرسمية والدراسات العلمية أن نسب السعودة المتحققة لا تزال دون المطلوب والمتوقع، فوف تقديرات وزارة العمل فإن نسب السعودة من المفترض أن تكون قد بلغت في المنشآت السعودية 35% في عام 1422هـ بناءً على قرار السعودة رقم 50، ولكن هذا لم يحدث في كثير من المنشآت. وقد أظهرت دراسة علمية حديثة أن التقدم في نسب السعودة لم يتحقق وفق الخطة المفترضة من قبل الجهات المسؤولة. فقد كان متوسط نسب السعودة في الوظائف الإدارية ما بين 15% إلى 16% فقط في الشركات الكبيرة المسجلة ضمن فئة الدرجة الممتازة في الغرفة التجارية بالرياض. أما الوظائف الفنية فلم يتجاوز المتوسط 11%. وإذا كانت هذه الإحصاءات تطرح استفهاما حول واقعية تطبيق هذا القرار على جميع المنشآت بغض النظر عن انشطتها إلا أنها تقودنا إلى مراجعة موقف القطاع الخاص من السعودة من خلال معاملته وممارساته تجاه الخريجين وما هي سلبياته التي تجعله بيئة غير مناسبة للسعوديين؟ ولماذا يتسرب السعوديون من القطاع الخاص؟ وما هي الممارسات التي تعترض التحاقهم فيه ؟
ووصولاً لإجابات أكثر واقعية استطلعت إحدى الدراسات المجراه على أكثر من 200 خريج توجهات السعوديين نحو العمل في القطاع الخاص، فكانت أبرز الأسباب التي ساهمت في عدم توظيفهم هي الآتي:
1.حرص القطاع الخاص على الربح السريع
فالقطاع الخاص ينظر إلى سعودة الوظائف كعبء وتكلفة مالية تزيد من تكاليف الإنتاج وبالتالي تقلل من الإرباح المتحققة على المدى القصير. وهنا يظهر أن الهدف الأول من وجود المنشآت التجارية يتعارض مع سعي مشروع السعودة القائم على تحمل أعباء مالية محتملة كالرواتب والتدريب والتأمين الاجتماعي. لكن الرؤية الاستراتيجية التي تغيب عن القطاع الخاص هي أن الاستثمار في العمالة المحلية سيكون أكثر كفاءة وفعالية في المدى الطويل.
2. القطاع الخاص لا يضمن الاستقرار الوظيفي
وربما تمثل هذا العائق في وجود فجوة تنظيمية في ضمان حق الموظف في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام فقد أدى التعامل مع الوافدين وسهولة إلغاء عقودهم والاستغناء عنهم إلى شيوع التعامل في القطاع الخاص مع جميع الموظفين بنفس الحرية والاجراءات مما أدى إلى تخوف المواطنين من الالتحاق بالقطاع الخاص خوفاً على مستقبلهم. هذا بالإضافة إلى تخوف المواطنين من استمرارية وبقاء منشآت القطاع الخاص في ظل افتقار كثير من منشآت القطاع الخاص للإدارة ذات الكفاءة والفعالية، وزيادة المنافسة ، وتزايد أعداد الخارجين من السوق سنوياً. وهذه البيئة عندما تقارن ببيئة القطاع العام المستقرة يتردد المتقدم للقطاع الخاص كثيراً ويقدم الشك فيه.
3. فترة الدوام لدى القطاع الخاص مرهقة
من المعلوم أن فترة العمل في القطاع الخاص بمعدل 8 ساعات في المنشآت المتوسطة والكبيرة، فيما يزيد هذا المعدل إلى أكثر من ذلك في المحلات التجارية والمهنية والمنشآت الصغيرة حتى يصل في بعضها إلى 16 ساعة. هذا التفاوت في فترة العمل جعل من المتوقع أن تنظر المنشآت المقيدة بنظام العمل والعمال إلى فترة العمل بما لا يقل عن 8 ساعات كحد أدنى يصعب التنازل عنه. وفترة الدوام هذه تعد من وجهة نظر المواطنين سلبية واضحة إذا ما قورنت بالقطاع العام الذي لا يتجاوز العمل فيه الست ساعات يمر ربعها في الأحاديث والزيارات والتسرب. وطبيعة البيئة الاجتماعية التي يعيشها المجتمع السعودي لا تزال تعتبر الالتزامات العائلية والارتباطات الاجتماعية والصلة والتواصل من أساسيات الحياة اليومية للمواطن خاصة في المدن الصغيرة المنتشرة في أصقاع البلاد.
4. نظام التقاعد غير منصف
من المعلوم أن مميزات نظام التقاعد في القطاع العام تفوق كثيراً نظام التأمينات الاجتماعية المختص بالقطاع الخاص. ومن ذلك على سبيل المثال معاش التقاعد حيث يلزم الموظف في القطاع الخاص أن يمضي 50 سنة لتقاضي كامل الراتب بينما يتطلب من موظف القطاع العام أن يمضي 40 سنة فقط. كما يمكن لموظف القطاع العام الحصول على التقاعد المبكر بعد 20 سنة دون اشتراط السن بينما يشترط نظام التأمينات الاجتماعية وصول المشترك لسن الستين للحصول على راتب الشيخوخة، هذا بالإضافة إلى عدم إلزام أصحاب المنشآت الصغيرة التي يقل الموظفون فيها عن 10أفراد من نظام التأمينات الاجتماعية وهي الشريحة الكبرى من المنشآت في المملكة حيث تقدر نسبتها بـ 96% من اجمالي المنشآت في المملكة البالغ عددها حوالي 200 ألف منشأة. وقد أحسن مجلس القوى العاملة بدراسته الحالية للموائمة بين النظامين ونأمل أن يتوصل المجلس إلى موائمة شاملة وليست جزئية.
- انخفاض الرواتب مقارنة بالمهام الوظيفية
يشتكي العاملون بالقطاع الخاص من تدني الرواتب مقابل المهام الشاقة والمرهقة في القطاع الخاص فالسكرتير في القطاع الخاص لا يتجاوز راتبه الأولي عن 2500 ريال في حين أن سكرتيراً في القطاع العام يعمل أقل فترة، وأخفض انتاجية، وأضعف مهارة يتقاضى ما يزيد عن 4000 ريال إضافة إلى سلم رواتب مدني يضمن له الزيادة السنوية والترقيات وهكذا، كما أن مدرسة أو مدرساً متخصصاً مبدعاً يتحمل من الأعباء التدريسية الشئ الكثير يتقاضى في مدارس القطاع الخاص ما لا يزيد عن 3000 ريال في حين تتقاضى أو يتقاضى زميل له في القطاع العام أضعاف ذلك. وهذا يدعو إلى النظر في الموائمة إلى المهنة وتقويمها مالياً وفنيا وندرة بغض النظر عن انتمائها للقطاع أسوة بما هو الحال في الدول المتقدمة.
- الإجازات في القطاع الخاص قليلة
يتاح للعاملين بالقطاع الخاص إجازات قصيرة ومحدودة في المناسبات، ففي الأعياد على سبيل المثال تكون إجازة العاملين 3 أو أربعة أيام في حين يتمتع العاملون بالقطاع العام بإجازات أطول وأكثر. وإذا كان هذا التفاوت مقبولاً في السابق بحكم أن الغالبية القصوى للعاملين في القطاع الخاص من الوافدين الذين لا يرتبطون عادة بالتزامات اجتماعية وعائلية متعددة، فالوضع الآن يختلف بتزايد المواطنين العاملين في القطاع الخاص والذين هم بحاجة إلى مراعاة ارتباطاتهم الأسرية والاجتماعية.
- عدم الاهتمام بتدريب الموظفين
لا تزال كثير من منشآت القطاع الخاص لا تهتم بالتدريب وتطوير وتأهيل الموظفين لديها. كما أنها لا تولي موضوع التخطيط والاستشارة لتحديد الاحتياجات التدريبية اهتماماً أو أولوية. وحتى وقت قريب كان التدريب مقتصراً على الشركات الكبرى وفي حدود ضيقة جداً ربما تفرضها الشراكة الأجنبية أو التطلع للشهادات الأسمية للجودة. هذا الإهمال للتدريب يعد سلبية للمتطلع لتطوير نفسه ومهاراته وكفاءته. وقد بينت دراسة أجريت في الولايات المتحدة أن 64% من المتقدمين للوظيفة يهمهم وجود فرص التدريب و التطوير المستمر في المنشآت أكثر من أهمية المرتب الأساسي.
وبالرغم من تحفظ الخريجين على العمل في القطاع الخاص وسرد العديد من العقبات التي يواجهونها في هذه البيئة إلا أن الدراسة أوضحت أن حوالي 57% يرغبون في الإلتحاق بالقطاع الخاص في حين يرغب 43% العمل بالقطاع العام. وهذه المؤشرات تبشر بتطلع العمالة المواطنة بمستقبل أفضل ورعاية أكبر فهل يحقق لهم القطاع الخاص هذا التطلع والأمل؟
عوائق الالتحاق بالقطاع الخاص من وجهة نظر الخريجين
الترتيب |
العائق |
المتوسط الحسابي |
1 | حرص القطاع الخاص على الربح السريع | 4.7087 |
2 | القطاع الخاص لايضمن الاستقرار الوظيفي | 4.2524 |
3 | فترة الدوام لدى القطاع الخاص مرهقة | 4.2512 |
4 | نظام التقاعد غير منصف | 4.1422 |
5 | انخفاض الرواتب مقارنة بالمهام الوظيفية | 4.1019 |
6 | الاجازات في القطاع الخاص قليلة | 4.0659 |
7 | عدم الاهتمام بتدريب الموظفين | 3.5291 |
العوامل المؤثرة في توظيف الجامعيين في القطاع الخاص. أحمد الشميمري وخالد الدخيل الله، اللقاء الثالث عشر لجمعية الاقتصاد السعودية. 2000 م.
د. أحمد الشميمري
إدارة وتسويق
جامعة المللك سعود- فرع القصيم
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]