لا حضارة بلا إدارة

لا حضارة بلا إدارة

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

تعد الإدارة أحد أبرز المؤشرات الواضحة التي يمكن من خلالها التمييز بين المجتمعات المتقدمة والنامية. فلقد أظهرت التجربة أن الخطط الجيدة يمكن أن تفشل في ظل الإدارة السيئة، وأن الخطط الضعيفة يمكن تحسينها وتعزيز تحقيقها من خلال الإدارة الناجحة إذ قد تعوض الإدارة الجيدة بكفاءتها وفاعليتها عن قلة الموارد والإمكانات كما تعمل في نفس الوقت على معالجة جوانب الضعف والقصور في الخطة.

لذا يمكن القول بأن تطور الأمم وتقدمها في الزمن الماضي أو الحاضر ما كان له أن يحدث لولا وجود الإدارة الناجحة فيها، بعد توفيق الله ورعايته، الأمر الذي مكّنها من تحديد أهدافها بدقة ورسم خططها وبرامجها المؤدية إلى تحقيق هذه الأهداف والعمل على تنفيذ ومتابعة هذه الخطط بدقة وأمانة. بالمقابل فإن الدول النامية التي يطلق عليها أحياناً الدول المتخلفة والفقيرة ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه من إخفاق حال بينها وبين تحقيق أهدافها وطموحاتها إلا بسبب عجز وقصور الإدارة فيها.

إن الإدارة تمثل أهم الوسائل التي يمكن أن يستثمرها الأفراد كما تستثمرها المنشآت والدول من أجل تحقيق أسباب الرخاء والأمن والتقدم. فعن طريق الإدارة يتحدد مستوى التعليم والأمن والعدل والرعاية الصحية والاجتماعية والزراعة والصناعة والإسكان والاتصالات والموصلات وكافة أوجه النشاطات والخدمات التي يحتاجها الفرد والمجتمع. هذه الحاجة إلى الإدارة ربما تكون أعظم في وقتنا الراهن بالنسبة للدول الإسلامية والعربية وذلك بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي تركت أثرها على جميع مجتمعات اليوم. ذلك أنه بدون وجود إدارة ذات كفاءة عالية فإننا لن نستطيع أن نحقق أهدافنا ولن نتخلص من مشكلاتنا الإدارية والاجتماعية أو سنظل على الدوام مشغولين بقضايانا الصغيرة دون أن نتمكن من الالتفات إلى طموحاتنا أو أن نعمل على تحديد أهدافنا من هذا المستقبل ونرسم المسارات التي يمكن أن نصل من خلالها إلى تحقيق هذه الأهداف.

ويمكن أن نقول بأن الإدارة تمثل عنصراً هاماً في حياة الفرد والمنظمة والمجتمع. هذه الأهمية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • الإدارة وسيلة المجتمع في تحقيق أهدافه وطموحاته وذلك من خلال ممارسته لعملية التخطيط والتنظيم والتوظيف والتوجيه والرقابة، وليس أدل على ذلك من وجود خطط التنمية الخمسية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج والتي تحاول من خلالها تحقيق النمو والتقدم والرخاء والأمن للمجتمع.
  • الإدارة وسيلة المجتمع في تحقيق احتياجات أفرادها من خلال تحديد أولويات هذه الاحتياجات واستثمار الموارد المتاحة فيه لتلبية هذه الاحتياجات بل والعمل على مواجهة الاحتياجات المتجددة وندرة الموارد.
  • ازدياد عدد المنشآت الإدارية وكبر حجمها باعتبارها الوسائل التي يستطيع المجتمع من خلالها تحقيق أهدافه وتلبية احتياجاته. هذه الأهمية للمنشآت في عالم اليوم فرضت أهمية الإدارة من حيث حاجة هذه المنشآت إلى التخصصات الإدارية المختلفة الأمر الذي أكد على أهمية الإدارة الكفؤة القادرة على اتخاذ القرار السليم من خلال العمل على تحقيق الاتساق والتكامل بين التخصصات الإدارية المختلفة بما يمكن المنشآت من تحقيق أهدافها.
  • أهمية العامل الإنساني في نجاح المنشآت الأمر الذي فرض على الإداريين تدريب العاملين من أجل اكتساب المعارف والمهارات بما يمكنهم من خلال اكتسابها تهيئة المناخ الملائم للأفراد للأداء الجيد وذلك من خلال الانتباه إلى القضايا المتعلقة بتحفيزهم وحل مشكلاتهم وتلبية احتياجاتهم في حدود إمكانيات المنتظمات التي يعملون بها.
  • وجود التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية الملحة، الأمر الذي فرض على الإدارة عبء التخطيط للتغيير ومتابعة تنفيذ هذه الخطط وتقويمها من أجل تحقيق النمو والتقدم في المجالات المختلفة للخروج من دائرة التخلف واللحاق بركب الدول المتقدمة.
  • الفصل بين منظمات الأعمال وملاكها مما دفع ملاك أغلب هذه المنشآت إلى إناطة إدارتها إلى رجال الإدارة المتخصصين مما يزيد من أهمية الإدارة والإعداد اللازم لمن يقومون عليها.
  • الندرة المتزايدة في الموارد المادية والبشرية الأمر الذي يتطلب وجود إدارة قادرة على مواجهة هذا التحدي من خلال اتباع سياسة الترشيد في النفقات والبحث عن افضل الوسائل لتحقيق الأهداف بأعلى جودة وأقل تكلفة.
  • الدعوة إلى العولمة وما ترتب عليها من وجود تحديات كبيرة وبخاصة للدول النامية التي لن نستطيع مجاراة الدول الكبيرة في نوعية وتنوع وجودة منتجاتها وخدماتها إلا إذا أحسنت هذه الدول إصلاح وتطوير الإدارة فيها.
  • المنافسة الشديدة في الأسواق العالمية الأمر الذي يتطلب التجديد والابتكار من خلال الإدارة الجيدة لطرق الإنتاج والتسويق والتوزيع.
  • رغبة الأفراد في الوصول إلى مراكز اجتماعية وقيادية متميزة. هذه الرغبة في تحسين المستقبل الوظيفي للأفراد دفعت الكثير منهم إلى الاتجاه لدراسة الإدارة من أجل تنمية معارفهم ومهاراتهم الإدارية بما يمكنهم من التعامل مع مشاكل تقديم الخدمات والإنتاج والتسويق والتمويل وإدارة الأفراد في المنشآت التي يعملون بها.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]