قياس تأثير الواحات العلمية 

قياس تأثير الواحات العلمية 

تاريخ النشر: 6 أكتوبر، 2021

في دراسة إجريت على الواحات العلمية لدول الاتحاد الأوروبي  في عام 2013م أشار مديرو الواحات إلى أن الواحات البحثية تفيد الجامعة والمجتمع بعدة طرق. واعتبر % 75  من مديري الواحات أن الإفادة ذات أهمية عالية جدًّا. كما أشاروا إلى فائدة الواحات في قدرتها على جذب مستلزمات البحث، مثل المختبرات الوطنية الرئيسة، أو النزلاء الرئيسين للشركات، أو مراكز الامتياز البحثي. كما تساعد الواحات الجامعات على وجه التحديد والمجتمع بشكل عام بجذب الكليات البحثية، وزيادة اتفاقيات البحث التي ترعاها الواحات، كنتيجة للتفاعل ما بين الكليات والشركات ضمن الواحة، وحصول الطلاب على وظائف، وتوفر الفرص لتسويق ملكيتها الفكرية.

من المزايا المهمة الأخرى التي تقدمها الواحات للجامعة أنها توفر مكانًا للطلاب والكليات للعمل في الصناعة. حيث أشار ثلاثة أرباع المستجيبين في الدراسة السابقة إلى أنهم يعتبرون ذلك ذا أولوية مرتفعة للغاية بالنسبة لواحتهم. وبالإضافة إلى الموارد المادية التي يمكن أن توفرها الواحة، فإنها تعزز أيضًا نموذج التفاعل بين الصناعة والجامعات، وهو أمر بالغ الأهمية لترجمة المعرفة البحثية إلى اختراعات تكنولوجية جديدة. ويمكن للواحات البحثية أن تستقطب العلماء والمتخصصين والمهنيين المختلفين في مكان واحد، ومن خلال مساحة المختبرات المشتركة، وقاعات الاجتماعات، ومرافق الراحة، توفر الواحات منتدىً للتواصل الفعال.

من المرجح أن تقيس المجتمعات المحلية الفائدة من الواحات البحثية بعدد الشركات التي تنجذب إلى الواحة، وبنمو العدد الإجمالي للشركات القائمة والجديدة، وبمتوسط ​​أجور موظفي الواحات مقارنةً بمتوسط ​​الأجور في المنطقة، وبنمو التوظيف فيها. كما يعتبر عدد الأشخاص الذين يتلقون تدريبًا على العمل من مقاييس أثر الواحة على العمل ونمو الشركة.

وفي الواقع فإنه يعتبر توفير الوظائف في الواحات الجامعية ذا تأثير اقتصادي على المستوى الوطني، يمتد إلى مستوىً أبعد من توفير وظيفة معينة أو راتب فرد واحد. كما أن للصناعات الأساسية القائمة على البحوث والتكنولوجيا الناتجة من الواحات علاقة تعزيزية مع موردي السلع والخدمات الأخرى في البلاد. ومن جهة أخرى فإن الشركات في الواحات العلمية تدعم السوق محليًّا، وكذلك على المستوى الوطني في نواحي متنوعة (مثل، التسويق ومشاريع البيئة، والنقل، والخدمات الجديدة). ونتيجةً لذلك، فإن قطاع الواحة ككل له تأثير أكبر من عدد الوظائف التي قد يقترحها. وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2003 على الآثار الاقتصادية للواحة العلمية في ولاية أيوا أن الواحة تنتج بشكل مباشر حوالي 88 مليون دولار من الناتج الصناعي. وأن الشركات التي تقدم خدمات لعملاء وأرباب العمل في الواحة تولد 46.3 مليون دولار إضافية،  بتأثير إجمالي قدره 1.34 مليار دولار. وأن الواحة قد وظفت 900 موظف من ولاية أيوا، بمتوسط أجر يصل إلى 40000 دولار. كما أظهرت دراسة أجريت على الآثار الاقتصادية لواحة جامعة أريزونا للعلوم والتكنولوجيا: أن الواحة قد أسهمت بمبلغ 1.9 مليار دولار من اقتصاد توكسون ومقاطعة بينما خلال السنة المالية 2003 إلى 2004. كان إجمالي الأثر الوظيفي 13300 وظيفة.

وعند إجراء تقييم أثر الواحات العلمية، فمن المهم أن نأخذ في الاعتبار أن هذه الواحات ليست هي الممثل الوحيد لاقتصاد المعرفة. فهي تعمل ضمن منظومة بيئية تقيدها فيما يمكنها تحقيقه. إذ إن عوامل مثل معدل بدء الأعمال التجارية، وروح المبادرة، وتوافر تمويل المخاطر، والبنية التحتية، وأسواق العمل وغيرها الكثير من العوامل تتحكم في الواحات وتأثر عليها. وفي الواقع، فإنه يمكن للواحات العلمية أن تلعب دورًا قويًّا واستباقيًّا في تنمية وتحسين خصائص اقتصاد المعرفة الخاصة بها، ومن أجل ذلك، يُنظر إلى التعاون بين الجهات الفاعلة في المنظومة على أنه الطريق الرئيس نحو المزيد من الابتكار. إذ تقوم مجتمعات المعرفة على المنافسة في المقام الأول بين الجهات الفاعلة في نفس المنظومة، مثل أصحاب رؤوس الأموال المغامرة والجامعات والواحات العلمية وغيرها،  حيث يقوم كل منهم بالتخصص في الخدمات التي يقدمها في النظام البيئي للابتكار.

ومن أجل تقييم الأثر، من المهم بشكل منهجي إعادة النظر في أهداف الواحة وخططها، وأصحاب المصلحة الأوسع والمستفيدين من الواحات العلمية، وفي المقام الأول شركات المستأجرين والعملاء المرتبطة بالخطط؛ لرصد الآثار والإنجازات التي شهدوها. وتسهل عمليات التقييم من خلال وجود بيانات مراقبة جيدة لمقاييس الأداء الرئيسة. مع أنها تختلف من واحة إلى أخرى، ولكن سيكون لها أساسيات جوهرية مشتركة.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]  [email protected]