في هذا الشهر الكريم شهر الخير و البركات تستعر المنافسة و السباق المحموم على المهرجانات التسويقية المختلفة التي تسعى إلى تصيد المستهلك و إغرائه بالشراء و الإنفاق. و بالرغم من أن هذه الظاهرة تعتبر ظاهرة تسويقية عالمية تسربت إلينا من الغرب المتقدم قلدناها أملا في تحقيق نتائجها الباهرة و أرقامها القياسية التي نسمع عنها في الغرب إلا أن هذه الأساليب المشاهدة من مهرجانات و حملات تفتقد إلى حلقة هامة و مبدأ أساسي لنجاح هذه الجهود و إثمار مساعيها ألا و هو كسب العميل و الحرص على ضمان ولائه. وهذا الأساس الذي يبدو بدهيا للممارسين هو الحد الفاصل بين الحملات الترويجية المدروسة وفق خطة استراتيجية محكمة و تلك الحملات المقلدة. و هو كذلك الحد الفاصل بين من يضع توعية المستهلك أساسا لكسبه و تحقيق أرباحه و من يهمه في المقام الأول استنزاف ميزانيات المستهلكين.
فأما الأول فيكون هدفه تحقيق الولاء الذي ربما تطلب نصحه في كيفية الاستهلاك و اختيار السلع و تقديم الخدمات التي من شأنها تعزيز الاستخدام الأمثل للسلع و المنتجات التي أقبل على شرائها وفق مقارنة عقلانية مدروسة. وأما الأسلوب الثاني فسيدرك مستخدموه أنهم لا يجنون الثمرة اليانعة، بل يقتلعون الشجرة من أصولها هذا إذا استطاعوا، أما حين يتعذر عليهم هذا فيبالغون بالإغراء و الجذب حتى يقعوا في أحد المحظورين، فإما أن تؤدي المبالغة في الحملات و المهرجانات إلى الشك و الريبة من جراء انبهار المستهلك بهذا التكلف الذي فاق توقعاته بكثير، و إما أن يتحول هذا الإغراء و الجذب إلى هدف و غاية لا يرضى المستهلك له بديلا.
و هذه الحقيقة التسويقية التي ربما رأى البعض بدهيتها دفعت كثير من المنشآت ثمنا غاليا لإقرارها و تقديمها عظة و عبرة للتسويقيين. و من تلك المنشآت شركة أمريكية تدعى كارنيشين (Carnation) كانت تنتج أطعمة للقطط و توزع ما يزيد عن 2 مليار كوبون تخفيض في العام الواحد و كانت كلما أوقفت هذه الكوبونات المكلفة أحجم المشترون عن الشراء و تكبدت الشركة الخسائر الفادحة. و في عام 1987م اقتنعت الشركة أن ولاء عملائها أصبح للكوبونات و التخفيضات و ليس للسلعة في حد ذاتها، فأخذت تبحث عن العلاج لهذه المعضلة وهذا الداء المزمن، فلم يكن أمامها من بد إلا اللجوء إلى العلاج المر -نظرا لتكاليفه الباهظة- لتخليصها من هذا الداء العضال. هذا العلاج تمثل في التحول من التسويق العام من خلال الدعاية و الإعلان و تنشيط المبيعات إلى التسويق المباشر من خلال الاتصال المباشر بالعميل، فكان لها بعد خمس سنوات من تجرع مرارة الدواء و استخدام أكثر من عقار مباشر أن تحول ولاء كثير من العملاء إلى السلعة ذاتها و ليس ما يصاحبها من تخفيضات و عروض، وعادت مبيعاتها للارتفاع و تخلصت من عبء المليارين كوبون سنويا. فالعبرة إذن ليست بكثرة المشترين لمرة واحدة بل في كثرة المرات لمشترين و لو كانوا قليلين، وكما قرر شرعاً “قليل دائم خير من كثير منقطع”.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]