تعتبر الواحات العلمية سوقًا ناميةً غنيةً بالمصادر القوية لريادة الأعمال، والقدرة التنافسية الاقتصادية للمناطق والولايات والدول. وقد أصبحت ركنًا أساسيًّا مفتاحيًّا في البنية التحتية الداعمة لنمو اقتصاد المعرفة اليوم. وذلك من خلال توفيرها لبيئة ملائمة، يعمل فيها الباحثون والشركات بعضهم إلى جانب بعض، كما تعمل الواحات البحثية على إيجاد بيئة تعزّز فيها التعاون والابتكار، وتشجّع تطوير التكنولوجيا ونقلها وتسويقها. وأصبحت الواحات البحثية اليوم محركات رئيسة للتنمية الإقليمية. ويمكن إجمال الأهمية والدور الذي تلعبه الواحات، كما يظهر بالشكل بما يلي:
الشكل رقم (1-7) دور الواحات العلمية
- دعم التنافسية التقنية
تستهدف الواحات العلمية مناطق متخصصة معينة للتنافس في مجال تطوير التكنولوجيا، حيث يجب على المنطقة أن تميز نفسها، وأن تعمل على تنمية واستدامة مجالات الخبرة المتخصصة، بما يجعل منها رائدةً على مستوى العالم. ونتيجة لذلك، أصبح أكثر شيوعًا بالنسبة للواحات العلمية، أن تركز على مجالات تكنولوجية محددة أو على المجموعات الصناعية المركزة دعمًا للتنافسية.
تستطيع الواحة تمكين المدينة أو الإقليم التي تقام فيها من تحقيق معدلات عالية لإقامة أنشطة اقتصادية تنافسية جديدة، بالإضافة إلى تحقيق معدلات نمو عالية للمشروعات المشتركة بالواحة، وذلك من خلال العمل على تسهيل توطين وإقامة عدد من المشروعات الإنتاجية أو الخدمية الجديدة في هذا المجتمع، هذه المشروعات الجديدة تعتبر في حد ذاتها إحدى أهم ركائز التنمية الاقتصادية لهذا المجتمع، حيث إن هذه الشركات تقوم بدفع الضرائب والرسوم، وتنشيط عمليات الإنتاج والتصدير والتوريدات، وكلها عمليات تدر موارد مالية على ميزانيات الدول.
- تعزيز العلاقات بين الجامعات والصناعة.
تسعى الواحات إلى بناء شراكة بين المطورين ورواد الأعمال والصناعة والإدارات الأخرى، وتوفر تسهيلات مفتوحة للصناعة للترابط مع إمكانات الجامعة، مثل سهولة الوصول إلى مختبرات الأبحاث الجامعية، ونقل التكنولوجيا إلى الجامعات، وبالمقابل تحرص على برامج مواءمة الموارد البشرية. مثل التدريب والالتحاق، والتواصل مع مؤسسات التسويق. كذلك تقدم الواحات خدمات للمشروعات المحيطة بها عن طريق ربط المؤسسات والجهات المختصة بالمشروعات الصغيرة بها، والعمل على تنميتها والتسويق للمنتجات والخدمات التي تقدمها، وأيضًا من خلال تبني المشروعات القائمة على التكنولوجيا والمرتبطة بالجامعات ومراكز البحوث، والعمل على تغذية المشروعات الصغيرة الوليدة في موقعها.
- تعزيز نموذج جديد لدور الجامعة
تسعى الواحات من خلال التخطيط الإستراتيجي للتوسع في النطاق الجامعي، ليكون متعدد الاستخدامات، ليشمل الاستخدامات الأكاديمية وكذلك الصناعية. إذ تسعى هذه المشاريع الجامعية متعددة الاستخدامات لإيجاد بيئة إبداعية، مع تبادل المعلومات بشكل متكرر ومجاني بين الباحثين الأكاديميين ونظرائهم في الصناعة. حيث يتضمن التخطيط لهذه الأغراض متعددة الاستخدامات ما يلي:
- مساحة كبيرة لنمو كبير في الأبحاث المستقبلية بمشاركة القطاع الخاص.
- التخطيط لوجود مرافق متعددة لاستضافة الباحثين والشركات.
- تأمين السكن وغيره من المرافق الجذابة لأعضاء هيئة التدريس من الشباب، وطلاب الدراسات العليا.
- توفير خيارات تطويرية مرنة، بعضها تقاد من قبل الجامعات، وغيرها يقاد من قبل المطورين.
- توفير وسائل الاستجمام والاسترخاء والتسوق في البيئة الجامعية.
- دعم التنمية الصناعية
تركز الواحات على رعاية وتنمية الأفكار الإبداعية والأبحاث التطبيقية، والعمل على تحويلها من مرحلة البحث والتطوير إلى مرحلة التنفيذ، وتعظم بذلك دور المشروعات الصغيرة التكنولوجية كأحد أهم آليات التطور التكنولوجي، من حيث قدرتها الفائقة على تطوير وتحديث عمليات الإنتاج بشكل أسرع، وبتكلفة أقل كثيرًا عن الشركات الضخمة ذات الاستثمارات العالية، وإقامة حاضنات تكنولوجية متخصصة في قطاعات محددة، تعمل على تسهيل نقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، والتركيز على تنمية تكنولوجيات هذه القطاعات، ومثال على ذلك إقامة حاضنات للمشروعات المتخصصة في تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، لتنشيط قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بأحد الأقاليم، هذه الحاضنة تعمل على (تفريغ) عدد من المشروعات الجديدة المتطورة في هذا القطاع، كذلك لجميع القطاعات التكنولوجية المتطورة، مثل تكنولوجيا المواد الجديدة والتكنولوجيا الحيوية ( Bio-technology ). وتذكر الإحصائيات أن 27% من مجموع حاضنات الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية ترتبط بالجامعات والمعاهد التعليمية، بينما تصل هذه النسبة في الصين إلى أكثر من 95%، ومن هنا تقوم الأودية والواحات العلمية بدور محوري كقناة ربط بين الصناعة والبحث العلمي.
- تنشيط الأحياء والمناطق الحضرية
تسعى الواحات أن تكون مكونًا من مكونات التخطيط الحضري للمناطق والمدن والأحياء، لتنشيط الحي إنتاجيًّا وحضريًّا، ومن ذلك تطوير وتنمية بيئة الأعمال المحيطة بها، وإقامة مشروعات في مجالات تنمية هذا المجتمع المحيط، وجعل الواحة نواة تنمية إقليمية ومحلية، ومركزًا لنشر روح العمل الحر لدى جموع الشباب والراغبين في الالتحاق بسوق العمل.
كما تم ذلك على سبيل المثال في الواحة التي تم بناؤها بجوار جامعة جونز هوبكنز في التيمور (Baltimore)؛ ومركز البحوث والتبادل الريادي والتكنولوجي (CORTEX) في سانت لويس. وواحة Piedmont Triad للأبحاث في Winston-Salem. وهذا التوجه لا يزال وليدًا وقليلًا ولكنه أدى دورًا حضريًّا في تلك المناطق.
ومن ذلك الدور الحضري: أن الواحات تسعى إلى المساهمة في التنمية المستدامة؛ لتحقيق التوازن بين الاحتياجات الإنمائية وحماية البيئة الطبيعية. ومن المتوقع في المستقبل القريب أن يتم تطوير واحات علمية، هدفها الحد من التأثير على البيئة، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة وممارسات البناء (الخضراء). إذ أشارت إحدى الدراسات للواحات العلوم: أن ثلثا المستطلعين يرون أن هناك زيادة في التركيز على الاستدامة في السنوات الخمس إلى العشر الماضية، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه بقوة في المستقبل.
- دعم القوة العاملة الماهرة
فقد أشارت الدراسات المجراة على مديري الواحات العلمية في أمريكا إلى أن السبب الرئيس لتحديد موقع بالقرب من الجامعات، هو الوصول إلى قوة عاملة ماهرة، بما في ذلك الطلاب. ويمكن لمجمعات العلوم المرتبطة بالجامعات أن توفر الموارد البشرية الماهرة، وتوظيف أنشطة التدريب والاستشارات. فعلى سبيل المثال يوفر Surrey Research Park للمستأجرين القوة العاملة الماهرة، التي تم تأهيلها بسبب وجود جامعة Surrey في Guildford لأكثر من 40 عامًا، مما ساعد على بناء مجتمع متعلم ومتقدم. كما يساعد مكتب خدمات البحوث والمشاريع الشركات على التواصل مع القاعدة العلمية والتكنولوجية في الجامعة.
ومن جانب آخر تقدم جامعة وارويك مخططات مشاريع الطلاب لشركاتها المستأجرة، التي بموجبها يقوم الطلاب بعمل شركات المستأجرين بأفكار من شركات الواحات العلمية، والتي لا يمكن تطويرها بالنظر إلى الوقت أو الموارد الذاتية وحدها. كما يقدم وادي Trieste AREA للعلوم في إيطاليا من خلال (مركز الابتكار) التابع له، التدريب المستمر وورش العمل الداعمة للمشغلين والوكالات الوطنية والدولية. تقدم دورات التعليم العالي والدراسات المتخصصة والاستشارات في مواضيع ومشاريع نقل التكنولوجيا.
- تعزيز الشراكات الدولية
يعتبر تعزيز الشراكات الدولية واحدًا من الأدوار الأساسية التي تسعى لها الواحات، حيث أشارت الدراسات أن 60٪ من الواحات البحثية تركز على الشراكات الدولية في السنوات الخمسة إلى العشرة الماضية أكثر من ذي قبل، وقال مديرو الواحات: إنهم يتوقعون رؤية الواحات التي تجتذب المزيد من المستأجرين الدوليين، ولديهم المزيد من التركيز العالمي في المستقبل. فعلى سبيل المثال تمتلك واحة Thessaloniki Technology Park في اليونان وحدة نقل التكنولوجيا، التي تعمل كحلقة وصل للبحوث الصناعية، إذ تجري عمليات البحث، وتقوم باستغلال نتائج تلك البحوث، وتساعد في إعداد مقترحات البحث والتطوير، وتقديمها الي إدارة المشروع. وتعمل TTP أيضًا على تعزيز النقل الدولي للتكنولوجيا بين اليونان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الشرقية ومنطقة البلقان.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected] [email protected]