دور الحكومات في تأسيس الواحات

دور الحكومات في تأسيس الواحات

تاريخ النشر: 6 أكتوبر، 2021
  • الحكومة

إن انتشار الواحات العلمية والتقنية في بلد ما يمكن من تقديم الدعم للتطوير والتنمية الاقتصادية في المنطقة بأكملها. وهي أداة مهمة وعنصر أساس للنظام الابتكاري الذي تمتد جذوره داخل الاقتصاد المحلي، وتقوده الأعمال التجارية المبتكرة والجديدة والمستثمرون الأساسيون. كما أن وجود الواحات يمكن صناع القرار من القضاء على القصور الموجود في المنظومة البيئية للابتكار، وتحسين ثقافة ريادة الأعمال في القطاعات القائمة على المعرفة وإيجاد أعداد كبيرة من فرص التوظيف ذات القيمة المضافة العالية.

في الكثير من الحالات العالمية، فإن مؤسسي الواحات العلمية والتقنية بحاجة إلى مساندة القطاع العام لتحقيق النتائج المذكورة أعلاه، خلال وقت زمني معقول. وفي المقابل، ولكي يتم استقطاب القطاع العام للاستثمار في الواحات العلمية والتقنية، فيجب أن يكون المبادرون لإنشاء الواحات على اطلاع جيد وإدراك كبير لفهم ما يمكن للواحات العلمية والتقنية القيام به، وما لا يستطيعون القيام به، والعوامل التي تؤثر على أدائهم. وهذا الفهم سيضمن أن دراسات الجدوى أو المراجعات أو التقييمات أو التحليلات أو الاعتمادات الأكاديمية التي تطرحها الواحات العلمية والتقنية دعمًا لتمويل يمكن أن تسهم في اتخاذ القرار الداعم من ممثلي القطاع العام. إن من أحد سبل الدعم الحكومي للواحات العلمية تخصيص منح للجامعات في المناطق الناشئة أو الواعدة، وذلك لإنشاء واحات علمية على أراضي الجامعة، وتعتبر المنح نوعًا من المساعدة  للحكومات، ولتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في الموضوع. كما تقدم الحكومات ممثلة في هيئات التنمية الاقتصادية والاستثمار الدعم المباشر للواحات العلمية التابعة للجامعات، ويشمل الدعم عادة مراحل البدء في المشروع، إذ يكون من المتوقع أن تسهم تلك الجهات في تغطية نفاقات تشغيلها الأولي.

كنوع من الدعم المباشر للواحات العلمية، تقوم الجهات الحكومية بفتح مكاتب لمراكز بحوث تابعة لها أو لفروع للإدارات المشرفة على الأبحاث في تلك الواحات، وهذا الإجراء والدعم ممارسة شائعة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن ذلك على سبيل المثال مكاتب مؤسسة الصحة القومية وهيئة حماية البيئة في واحة مثلث البحث بولاية نورث كارولينا، وكذلك مركز أبحاث القوات البحرية في واحة بحوث جامعة نيو أورليانز.

وفي الولايات المتحدة، اتخذت SBA (جمعية الأعمال الصغيرة) زمام المبادرة في المساعدة في تمويل حاضنات الأعمال بتوجيه ودعم من مكتب كبار العلماء في وزارة الصناعة والتجارة، ومن خلال هذه الحاضنات التكنولوجية، وفرت الحكومة لرجال الأعمال المباني والموارد المالية والأدوات والإرشادات المهنية والمساعدات الإدارية حتى يتمكنوا أثناء إقامتهم في الحاضنة من تحويل أفكارهم المجردة إلى منتجات ذات جدوى حقيقية.

وفي كوريا الجنوبية قامت إدارة الأعمال الصغيرة والمتوسطة (SMBA) باتباع نفس المسار. إذ إنه حتى عام 1994  لم يكن هناك أي حاضنات أعمال في كوريا. ولكن بحلول نهاية العام أصبح لديهم حاضنتين، وبعد ست سنوات أصبح لدى كوريا حوالي 142 حاضنة أعمال.

ونادرًا ما تعمل الجهات الحكومية وحدها في جهودها الرامية إلى تحفيز إنشاء مرافق حضانة الأعمال. إذ من المتوقع  في كثير من الأحيان أن يكون هناك شراكات تعاونية في هذا المجال. غالبًا ما تكون هذه (الشراكات) في الواقع أكثر بقليل من مجرد التعاون مع الجهات الحكومية الأخرى. ففي إنجلترا تم إصدار الكتاب الأبيض (بناء الشراكات من أجل الرخاء)  في ديسمبر 1997، وبعد فترة من المشاورات، أقر البرلمان قانون وكالات التنمية الإقليمية لعام 1998. والهدف من ذلك هو تشجيع البحث والتطوير (R&D) وتنمية الأعمال التجارية المحلية. والشريك الآخر كان في هذه التجربة البريطانية هو (مواقع الأولوية) وهي بحد ذاتها شراكة بين مجموعة متنوعة من القطاعين العام والخاص مملوكة من قبل رويال بنك في سكوتلاند. وهناك شراكة أخرى تم تسميتها “الشراكة الإنجليزية”، وهي منظمة أخرى ترعاها الحكومة، وتركز على التنسيق الوطني والدولي، حيث تضيف هذه المبادرة قيمة إلى أجندة التجديد الحكومية. تهدف الشراكات الإنجليزية إلى تحقيق تطلعات حكومة المملكة المتحدة بشأن التجديد والتطوير على مستويين:

  • دعم النهضة الحضرية.
  • العمل كقوة وطنية للتجديد والتطوير.

ويتم تطوير مبادراتهم جنبًا إلى جنب مع إستراتيجيات التطوير الاقتصادية، ودعمًا لأولوياتهم وبرامجهم. وقد انطلق مشروع الشراكات الإنجليزية لتوفير أماكن جيدة للناس للعيش والعمل ولتوفير منفعة بيئية.  وقد حصل المشروع على الأرض التي كان  مساحتها 33 هكتار من الجيش. لذلك فإن جميع الأطراف في هذا المشروع تحت رعاية مباشرة أو غير مباشرة من قبل حكومة المملكة المتحدة.

ومن التجارب الأخرى مساهمة ولاية إنديانا في عام 1993، إذ تم إنشاء حاضنة في باتريكسبيرج بولاية إنديانا، وهي مدينة تضم 200 شخص على بعد حوالي 50 ميلًا جنوب غرب إنديانابوليس. كان معدل البطالة في تلك المنطقة (مأساويًّا) وفقًا لما ذكره رئيس التنمية الاقتصادية في مقاطعة أوين. كان الغرض من الحاضنة هو تحسين الموارد الطبيعية المحلية، مثل الأخشاب الصلبة والصوف، التي يتم شحنها خارج البلاد بأسعار منخفضة. ومن المساهمات البسيطة التي نتج من هذ الحاضنة على سبيل المثال، أنه لم يكن يتم فرز ومعالجة صوف الأغنام قبل إخراجها من المقاطعة، ومن ثم لا يمكن بيعها إلا بسعر منخفض. ولكن عندما تم افتتاح حاضنة مقاطعة أوين، لم يتمكن المزارعون المحليون من قص أغنامهم فحسب بل استطاعوها من غسل الصوف وتثبيته ولفه ونسجه في منتج نهائي، بما يحقق سعرًا عاليًا وجودة أفضل. وقد قامت الحاضنة بتدريب الأشخاص ذوي المؤهلات الأقل من الثانوية، حيث زوّدهم مشروع الحاضنة بالتدريب المناسب وبراتب أثناء التدريب، ثم بعد ذلك بوظيفة تصنيع ماهرة. وجراء هذا الاستقطاب قام زوجان بنقل أعمالهما التجارية من منزلهما إلى حاضنة مقاطعة إنديانا للأعمال التجارية الصغيرة في إنديانا، لأن “نقل الشركة إلى مركز الملابس في مدينة نيويورك كان سيكلفها الكثير”. وهناك قاموا بافتتاح مصنع صغير، واستأجروا 15 من الخياطات المدربات من المنطقة.  بفضل هذه البيئة نمت الشركة بنسبة 20 ٪ في السنة.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]  [email protected]