هذا هو عنوان الكتاب الصادر للكاتب جم كليفتون (Jem Clifton) الرئيس التنفيذي لشركة جالوب العالمية للاستطلاعات والرصد. ولقد قدم لكتابه بالقول أنه عندما تتلاشى الوظائف فان مصير الدولة بأكمله سيتلاشى وان كثيرا من الحكومات والقادة في أمريكا أو الدول التي تحذوا حذوها يسيرون في الطريق الخطأ. فهم يحبطون رواد الأعمال بدلاً من أن يمكنوهم، وهم أيضاً يقودون المنظمات بجيش من الموظفين المحبطين. وهم أخيراً يجنون على الجيل القادم الذي سيخلق وظائف المستقبل بتعليمه تعليماً سيئاً ويرى جم بناءً على استطلاعات جالوب أن العالم في السنوات الثلاثين القادمة لن تقوده أمريكا بترسانتها العسكرية، وقوتها السياسية، ولكن العالم سيقاد بالقوة الاقتصادية المتمثلة في خلق الوظائف. ولو كان لأمريكا وزارة خلق الوظائف فسيتخطى نجاحها نجاح وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع المهيمنة في السابق. فالقوى السياسية والعسكرية لن تكون هي الموجهة للعالم في المستقبل. العالم اليوم في حاجة لقادة يضطلعون بمهام تختلف عن السابق، فالقيادة المهتمة بالسياسة والدفاع والقيم الشخصية والبرامج الاجتماعية لم تعد تناسب مستقبل التنافسية. وأصبح الحديث عن حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، والقضايا الاجتماعية ينصب على أثرها على خلق الوظائف وليس على أثرها الأسري أو السياسي أو الديني.
ولفهم أكثر لطبيعة الحرب القادمة فان الإحصاءات الحديثة لعام 2010م توضح أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي (GDP) هو 60 تريليون دولار. تساهم الولايات المتحدة الأمريكية بما يساوي 15 تريليون دولار أي ما يعادل 25% كما أن الصين تساهم بحوالي 6 تريليون دولار أي ما يمثل 10% من الحصة السوقية العالمية. في حين لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لكل من الهند وروسيا حوالي 1.5 تريليون دولار. ومن المتوقع بعد 30 سنة أن يصل الناتج المحلي الإجمالي العالمي الى 200 تريليون دولار عام 2040م أي أن 140 تريليون دولار من الأعمال والمنتجات والخدمات ستكون ميدان الحرب القادمة، وبناء الإمبراطورية الاقتصادية الغنية بالوظائف المغرية.
يعيش اليوم في العالم 7 بليون نسمة وقد استطلعت جالوب آراءهم عن ماذا يريدون وإلى ما يطمحون، وذلك في مسح ضخم استغرق 6 سنوات، وشمل 150 دولة، توصلت نتائج الدراسة الى نتيجة نهائية ينشدها العالم بأسره وهي أن الشعوب تريد “وظيفة مناسبة”. ويؤكد رئيس شركة جالوب أن هذه النتيجة هي أهم اكتشاف توصلت إليه الشركة عبر تاريخها الممتد خلال خمسة وسبعين عاماً.
ومن الدول التي يرشحها المؤلف أن تكسب الحرب القادمة هي دولة الصين وليست اليابان أو ألمانيا أو حتى الهند أو روسيا. ويتوقع أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للصين خلال السنوات الثلاثين القادمة بإجمالي اكبر بكثير من الولايات المتحدة الأمريكية. فخلال الثلاثين سنة القادمة من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي العالمي الى 200 تريليون دولار باعتبار أن متوسط الزيادة السنوية للنمو سيكون 4% وبحسب توقعات معظم الاقتصاديين -كما ذكر جم- فسوف تستحوذ الصين على 170 تريليون عام 2040م. أي ما يعادل 35% من الحصة السوقية للاقتصاد العالمي، بينما يتوقع أن يسجل النمو في أمريكا متوسطاً قدره 2.5% سنوياً لتصل في عام 2040م الى 30 تريليون دولار أي ما يعادل 15% من الحصة السوقية للاقتصاد العالمي. ويعزو الاقتصاديون هذا التحول الاقتصادي المتشائم إلى قصور أمريكا عن تعزيز لوغاريثم التميز الاقتصادي المستديم الذي يتمحور حول ريادة الأعمال والابتكار. فريادة الأعمال هي أقوى متغير من مجموعة المتغيرات الأخرى التي تكون المعادلة الاقتصادية. كما أن تركيبة الاقتصاد التقليدي لم تعد تجدي لعجزها عن تقدير مدى اثر ريادية البشر الكامنة التي تطغى على كافة المتغيرات المحركة للنمو الاقتصادي. وريادة الأعمال والابتكار هما بؤرة الطاقة الفاعلة في تكوين الناتج المحلي الإجمالي. ورواد الأعمال هم من يخلقون الطلب ويحدثون التغيير لمعادلة العرض والطلب في السوق. والفخ الذي سقطت فيه أمريكا وتفتقر إليه أغلب الدول التي تسير على أثرها هو محدودية التركيز على بناء نموذج الأعمال التجاري “Business Model” فكثير من الابتكارات تعجز أن تتحول إلى مشروع اقتصادي (تجاري) لأن أصعب وأشق ما يمكن بناؤه هو التطبيق المتكامل لريادة الأعمال. فأمريكا كما يؤكد جم لا تملك العدد الكافي من رواد الأعمال لتخوض حرب الوظائف القادمة. علماً أن أمريكا قد قادت العالم في عدد من الابتكارات خلال العقود الماضية ولا تزال تمثل اختراعاتها ومشاريعها الابتكارية ما يقارب 40% من كل الانجازات المحققة في تاريخ العالم. كما تنفق على الاختراعات والابتكارات بلايين الدولارات كما تخصص للبحث العلمي بلايين أخرى سنويا. ومع ذلك فإن هذا الإنفاق السخي الضخم لم يوجه إلى الدائرة الأهم والعنصر الأكثر تحقيقا للنتائج المستديمة. كما بالغ صناع القرار في التنقيب في المنجم الأقل ذهباً. فالنموذج التجاري هو الأهم، وسيكون هو السلاح الحاسم للسنوات الثلاثين القادمة. فلن توجد وظائف مستديمة دون أن يكون هناك زبائن وعملاء دائمين. هذه الأطروحة في واقع التطبيق لا تقلل من أهمية البحث أو الابتكار ولكنها تؤكد أن قيمة الابتكار لا تظهر إلا إذا قرنت بريادة الأعمال.
إن الطريق المستقيم والبداية الصحيحة للتفوق والانضمام الى كتيبة المنتصرين في هذه الحرب القادمة هو التعليم، ثم التعليم، ثم التعليم، ثم يأتي بعده ما تشاء.
التعليم القائم على خلق وإنماء وإذكاء الروح الريادية لدى الأجيال القادمة. التعليم التطبيقي القائم على منح الثقة بإمكانية الانجاز والإنتاجية للمساهمة في بناء المجتمع. التعليم القائم على احترام المهنية، والاعتزاز بالتخصص، وتقدير التكاملية في المجتمع. ولكي نصل الى هذه النقلة المستديمة فنحن في حاجة إلى مراجعة مستفيضة لتوجهات التعليم المستقبلية ومدى ملائمة ابعاد العملية التعليمية من مناهج ومعلمين وبيئة تعليمية لمواكبة متطلبات التنافسية العالمية القادمة.
نعم لقد أدركت بعض الجامعات هذه الفجوة الواسعة والتخلف الكبير الذي يعانيه نظامنا التعليمي العالي، في الوقت الذي لا يزال التعليم العام ونظيره الفني والمهني ينعم في سبات عميق ليوسع الفجوة ويكبر الهوة ويبعد المسافة عن اللحاق بركب التنمية البشرية المستديمة. وفي المقابل فان الجامعات التي أقبلت على ريادة الأعمال لم تدرك أن استعجال النتائج لن يبني الاستدامة، وأن القفز نحو المخرجات لن يدعم تمكين الأساسات.
يجب اولأ أن نوجد رواد الأعمال لا مشاريع الأعمال، وأن نغرس مفاهيم المبادرة ونصقل مهارات الرواد، ونثقف بآليات الابتكار ونعلم وسائل تحويل الفرص إلى مشروعات، ثم نتطلع بعد ذلك الى المنجزات. والجامعات وجدت كي تقوم بهذا الدور لتساهم في خلق مزيد من الوظائف بشكل مستديم. وأن تضطلع بالدور العصري الجديد الذي ينتقل بالجامعات من التركيز على أن يواكب طلابنا متطلبات سوق العمل للحصول على وظيفة إلى دور أعمق يجعل طلابها هم الذين يخلقون فرص العمل الجديدة في السوق.
أ.د. أحمد الشميمري أستاذ ريادة الأعمال والتسويق – جامعة الملك سعود – [email protected]