يعتبر الابتكار أحد مصادر التغييرات في التفكير أو المنتجات أو العمليات أو التنظيمات أو الأفكار الجديدة التي تطبق بنجاح. لذلك يعرف الابتكار في الأعمال بأنه استحداث المنتجات والخدمات والعمليات. ويرتبط بالأداء والنمو من خلال التحسين في الكفاءة والإنتاجية والجودة والموقع التنافسي والحصة السوقية.
ويمكن أن توجد الابتكارات مرتفعة القيمة الاقتصادية والاجتماعية في أماكن عديدة، تشمل المؤسسات الاكاديمية والشركات الصغيرة والكبيرة ومراكز الأبحاث والتطوير والوكالات الحكومية. ففي الاقتصاد المعرفي الحالي يمكن للناس والمؤسسات الاتصال المباشر بالابتكارات التي ظهرت في دول وبيئات أخرى. إلا أن البيئة في الدول النامية لا تشجع رواد الأعمال على أن يصلوا بابتكاراتهم إلى السوق. ولا يحدث استغلال للكثير منها، لأنها لم يتم تصميمها طبقًا للاحتياجات المحلية. لذلك، تواجه الدول تحديًا لا يقتصر على تحفيز الابتكار محليًّا أو محاكاة الابتكارات الموجودة في دول أخرى، التي يمكن تطبيعها طبقًا للبيئة المحلية، وإنما أيضًا تواجه تلك الدول إنشاء الظروف التي تسمح بترابط الابتكار مع ريادة الأعمال، بحيث يمكن تحقيق إمكانية إنتاج ثروة اقتصادية واجتماعية للابتكار. وهو الدور المنوط بحاضنات الأعمال.
وبالنظر عالميًّا، نجد أن صانعي السياسات استثمروا في المبادرات التي تتوافق مع ظروفهم وبيئتهم المناسبة، بما في ذلك حوافز التشريع والسياسة، وآليات توسيع الاتصال برأس المال، وتطويع التعليم. وهنا يأتي دور الحاضنات للربط بين الابتكار وريادة الأعمال، والتي تتسم عملياتها بالتركيز على تقوية المنشأت الديناميكية الموجهة للنمو في المرحلة المبكرة.
وتستهدف حاضنة الأعمال دعم تطوير وتكبير المنشأت الموجهة للنمو في مرحلة مبكرة. وتوفر لرواد الأعمال بيئة تجعل من الممكن تطوير الشركات في مرحلة البداية مما يساعد على تقليل تكلفة تدشين الشركة وزيادة الثقة لرائد الأعمال، كما تربط رائد الأعمال بالموارد اللازمة لبدء منشأة قادرة على المنافسة.
وتعتبر حاضنة الأعمال إحدى العديد من الأدوات التي تستهدف تنشئة إيجاد الشركة المبدعة ونموها. وهي أحد عناصر نظام اقتصادي للابتكار وريادة الأعمال، يسمي إطار “الحلزون الثلاثي Triple Helix”، يعرف أيضًا بأنه “منظومة الابتكار”. ويركز هذا النظام على أنه يجب أن توجد روابط تكاملية بين الجامعات والصناعة والحكومة لتنشيط الابتكار والإتيان به إلى السوق (Lundberg 1992, Nelson 1993, Fagerberg and Nilson 2004). فإذا كان أي من هذه الروابط ضعيفًا أو غير موجود سيعاني النظام كله من ذلك الضعف، ولن يكون النظام الاقتصادي بنفس الكفاءة لكي توجد ريادة الأعمال الابتكارية.
الشكل (2-2) الحلزون الثلاثي (Triple Helix)
ولحاضنات الأعمال موقع فريد في هذا النظام الاقتصادي. فهي تتداخل مع كل الممثلين في النظام الاقتصادي، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال الشركات التي تخدمها، وتشعر أولًا بالتحديات التي يواجهها عملاؤها عند سعيهم لإعداد شركاتهم ونموها، سواء كانت الصعوبات خاصة بالتشريعات أو التمويل أو العمالة أو البنية التحتية. فإذا تم توصيل هذه التحديات بفعالية للممثلين المناسبين في النظام الاقتصادي، يمكن تشييد تغذية مرتجعة مرتفعة القيمة، التي تستفيد منها الشركات الموجودة في الحاضنة، وكذلك رواد الأعمال المبتكرون الموجودون في الاقتصاد بأكمله.
ولا توفر حاضنات الأعمال تغذية مرتجعة مهمة عن التحديات والاحتياجات الابتكارية فقط، وإنما توفر فرصًا أيضًا لممثلين آخرين في النظام. على سبيل المثال، يمكنها أن توفر للممولين حقيبة استثمارات محتملة ومرتفعة النمو. ويمكن أن توفر للمؤسسات الأكاديمية وسيلة لتسويق الأبحاث تجاريًّا، ومساعدة الخريجين في الدخول في أعمال جديدة، كما توفر للشركات في الصناعة اتصالاً أيضًا بأفكار ابتكارية، التي يمكن أن تقوي سلاسل عرضها أو آليات تسليمها أو عملياتها.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected] [email protected]