ثقافة التدريب المنظم .. متى نتبناها ؟

ثقافة التدريب المنظم .. متى نتبناها ؟

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

حضر أحد الزملاء دورة تدريبية للمدربين، وكان يجر خطواته جراً، ويدفع مسيرته متثاقلاً ومتردداً لأنه قد أمضى في هذا المجال أكثر من ثلاث سنوات، وأقام عدة دورات،  وحاز على عدة شهادات، وقدم عشرات المحاضرات فكان يشك أن لأمثاله حاجة للتدرب مع المتدربين.

ولم تدم هذه النظرة الفوقية طويلا حتى جاء وقت التعارف بين الحاضرين و قدم الذي بجانبه نفسه فأفاد أنه يشعر بأهمية هذه الدورة بالنسبة له بالرغم أن له في مجال التدريب خمسة عشر عاما. ثم ذكر الذي يليه أنه كان ولا يزال مدرباً منذ 23 عاماً وأنه أتى بكل حماس رغبة في تجديد معلوماته و الإطلاع على الأساليب و التقنيات الجديدة في التدريب!!

استوقفني هذا الموقف العفوي و شعرت حينها كم نحن بحاجة إلى ثقافة تدريبية شاملة على كافة المستويات. فالتدريب لم يعد أداة تطويرية لمهارات الموظفين فحسب بل خياراً استراتيجياً للاستثمار في الإنسان كأهم عناصر الإنتاج و التنمية البشرية، فنمو الناتج القومي الإجمالي للدول و إن كان أمراً ضرورياً لتقدم البلدان و ازدهار مستوى المعيشة فيها إلا أنه ليس كافيا وحده لإحداث التنمية البشرية للمجتمعات. و من هنا أدركت الدول المتقدمة أهمية الاستثمار الحقيقي في مواردها البشرية و دفعت بدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخصيص ما يقارب 70 بليون دولار سنويا للتدريب في موقع العمل.

و في الحقيقة فإن بعض الباحثين يعزو انتشار ثقافة التدريب في الأمم المتقدمة و حرص الأجهزة العامة على التدريب و تعزيزه و دعم برامجه إلى الحاجة التي أثارت الدافع فأوجد السلوكيات المكونة للثقافة. فالعالم المتقدم أدرك منذ زمن بعيد أن التعليم الأكاديمي يعتريه خلل واضح إذ لا يقدم سوى المعرفة العامة و التأهيل النظري للقوى العاملة و تبقى مسألة ملاءمتها لمتطلبات الوظيفة التطبيقية عبئاً على كاهل المؤسسة المعنية ذاتها ، أو المتخرج الذي ربما آل حاله إلى الانضمام إلى مجتمع العاطلين الذين يتزايدون بنسب تفوق نسب النمو السكاني في كثير من البلاد.

أما السبب الرئيسي الثاني الذي أعان على نشر ثقافة التدريب في المجتمعات المتقدمة فهي تلك الثورة التكنولوجية العارمة و الاختراعات التقنية النامية التي بدأت في القرن الماضي لتحل محل الإنسان ثم سرعان ما تعقدت و تطورت حتى عادت في نهاية القرن نفسه تبحث عن الإنسان الذي يجاريها و يمكن أن يفهم و يتعامل مع تعقيداتها و أصبحت من السرعة و التشعب و التغير بمكان بحيث يستحيل معها استيعابها ثم إقرارها و قولبتها في مناهج دراسية في الفصول التعليمية، و اصبح التدريب بذلك الطريق الوحيد لاستيعاب هذا التغير السريع في التكنولوجيا و الاستفادة منها في الواقع العملي.

هذان العاملان هما من أهم العوامل التي جعلت الشعوب المتقدمة تنظر إلى التدريب كخيار استراتيجي على مستوى الدولة و المنشأة و الفرد. فالدول قد خصصت المبالغ الطائلة لدعم برامج التدريب و إنشاء المعاهد الفنية المتخصصة و المراكز التقنية المتطورة. أما المنشآت الصناعية منها و التجارية فقد جعلت التدريب من أولوياتها و توسعت فيه حتى أصبحت مراكز و وحدات التدريب التابعة للمنشآت في الغرب قسما هاما لا غنى لها عنه ، بل ازداد الأمر أهمية لتنشأ المنشآت لها جامعات و كليات تلبي حاجاتها من التدريب و التطوير بالإضافة إلى منحها شهادات علمية و درجات عليا مثل جامعة موتورولا و دركسيل ، و كورتيك.

أما الفرد في دول الغرب فقد أدرك أن التدريب هو الوسيلة الفعالة لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة، والعنصر الفعال للارتقاء بالأداء الإداري و الجودة الإنتاجية، و الطريق الآمن للتغيير والتطوير الذاتي، و أصبح أحد عوامل الجذب الأساسية التي ينشدها للالتحاق بمنشآت الأعمال إلى الحد الذي تشير فيه الدراسات أن 64% من المتقدمين للوظيفة في الولايات المتحدة يهمهم وجود فرص التدريب و التطوير المستمر في المنشآت أكثر من أهمية المرتب الأساسي.

و أخيراً فإذا كانت الحاجة قد دفعت المجتمع الغربي إلى تبني ثقافة التدريب و انتشارها منذ زمن بعيد فإن الحاجة ذاتها أصبحت تتنامى و تتعاظم في مجتمعنا المحلي، و أخشى أن نحتاج إلى أن نمر بنفس التجربة و لكن بصورة بطيئة حتى نضطر إلى استيعاب مفهوم الثقافة التدريبية كما استوعبها الزميلان الخبيران بالتدريب.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]