المرجع : ريادة الأعمال، الشميمري أحمد، ووفاء المبيريك. مكتبة العبيكان. طبعة 4، 1440هـ
تاريخ ريادة الأعمال في السعودية أو العالم العربي لم يسجل بعد. وقد اعتدنا في عالمنا العربي أن نتجاهل المبادرات الفردية والمؤسسية. وهذا يقودنا تربوياً إلى فقدان القدوة أو النموذج الاجتماعي للمبادرات النوعية، إذ أننا نتحسس من أن ننسب الأعمال إلى من بدأها. وتجدر الإشارة إلى أن أحد المتحدثين الدوليين الذي كان يجوب العالم بمحاضراته ويدعى كينث موريس، كان إنجازه الذي يفخر به ويقدم نفسه به في رحلاته العلمية أنه أنشأ أول مركز لريادة الأعمال في العالم عام 1964م في جامعة هارفرد.
وفي عالمنا العربي ازداد الاهتمام بريادة الأعمال في أواخر القرن العشرين، فجمهورية ﻤﺼر العربية ﺘﻌدّ من أولى الدول العربية التي أنشأت حاضنات الأعمال، ففي عام 1995م أُسِّست الجمعية المصرية لحاضنات المشروعات الصغيرة، وتولى تأسيسها الصندوق الاجتماعي، وقد وضع الصندوق المذكور خطة لإنشاء 30 حاضنة في مصر، تمّ إنشاء 15 منها حتى عام 2002م، وفي المغرب العربي بدأت أول تجربة للحاضنات عام 1998م بإسناد من المصرف الشعبي الذي أسهم في دعم حاضنات الأعمال في المغرب، وكذلك الحال في الأردن التي بدأ الاهتمام فيها بريادة الأعمال من خلال التركيز على التمويل الأصغر الذي انطلق عام 1995م، وتطور الأمر بظهور بعض المبادرات أمثال جمعية أصحاب المشاريع الشباب عام 1998م، ومركز الملكة رانيا لريادة الأعمال عام 2004م وغيرها من المبادرات لتصل بنهاية عام 2018م إلى أكثر من 150 جهة وبرنامجًا مخصصًا لريادة الأعمال، وانطلقت بعد ذلك مبادرات عدة في العالم العربي، إذ احتضنت المغرب قمة ريادة الأعمال العالمية الأولى بحضور قادة الدول العالمية بدعوة ورئاسة من باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008م، وانطلقت أو ازدهرت مبادرات عدة في مجال ريادة الأعمال مثل (مقاولتي) في المغرب، وصندوق تشغيل الشباب في الجزائر، والهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات في سوريا، وبرنامج (سند) في عُمان، و(نافع) في البحرين، و(مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة في الإمارات)، و(كسب يدي) في الكويت.
أما في المملكة العربية السعودية فقد كان الحديث في عقد التسعينيات الميلادية، كما هو الحال في معظم الدول العربية، منصبًّا على المنشآت الصغيرة ودعمها والاهتمام بها، ثم بدأ الحديث عن حاضنات الأعمال منذ عام 2002م عندما بدأت الغرف التجارية الصناعية في المدن الرئيسة – وعلى رأسها الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية ثم غرفة جدة، ثم غرفة الرياض – بمحاولات إدخال المفهوم وتطبيقاته، وبذلت جهودًا حثيثة من أجل بث الوعي نحو أهمية الحاضنات، إلا أن الإنشاء الفعلي في السعودية لم يَرَ النور إلا عام 2008م حينما نشأت جامعة الملك سعود أول مركز لريادة الأعمال في الجامعات السعودية في المملكة العربية السعودية يتضمن أول حاضنة للأعمال وبرنامجًا متكاملًا لرواد الأعمال يعمل بالشكل المتكامل لمفهوم الحاضنة، وقد تزامن ذلك في العام نفسه 2008م أن أنشأت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية رسميًّا أول حاضنة تقنية في السعودية باسم حاضنة بادر لتقنية المعلومات والاتصالات، وأدى التوجه الجاد نحو ريادة الأعمال إلى أن قفز عدد مراكز ريادة الأعمال في الجامعات السعودية وخارجها من ثلاثة مراكز عام 2008م إلى أكثر من 30 مركزًا عام 2020م. وكذلك الحال بالنسبة إلى حاضنات الأعمال العامة والخاصة التي زاد عددها ليصل إلى أكثر من 80 حاضنة أعمال عام 2020م، وكان لإنشاء هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) عام 2016م الأثر البارز في دعم وإنماء وتنظيم ريادة الأعمال ودعم المنشآت الصغيرة في السعودية. وأصبح الاهتمام بريادة الأعمال عنصرًا مهمًّا في رؤية السعودية 2030 التي تعول على ارتفاع مساهمة المنشآت الصغيرة في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35% بحلول عام 2030، وكذلك ارتفاع نسبة القروض الممنوحة للمشروعات الصغيرة، ونشر الوعي وثقافة ريادة الأعمال في التعليم العام والعالي.
وفي مطلع الألفية الجديدة 2000 لم يكون تعريب المصطلح موجوداً وكانت المنظمات الدولية تترجم رواد الأعمال بأنهم “أصحاب المشروعات”. أو تتترجم رائد الأعمال بكلمة “المقاول”. وصدرت في التسعينات الميلادية عدة كتب عن المنشآت الصغيرة في المملكة تترجم ريادة الأعمال بأنها “المبادأة”. واحتار المتخصصون والممارسون في العالم العربي في تعريب وترجمة ريادة الأعمال ولقلة الاتصال العالمي في العالم العربي انذاك فقد وجدنا من يترجمها بالمبادرة أو المبادأة، وآخرين بالعصامية، وفي المغرب العربي سموها بالاعتمار. حتى عقدت جمعية ريادة الأعمال السعودية مؤتمرها الأول الذي دعي له المتخصصون والباحثون ومراكز ريادة الأعمال في العالم العربي عام 2009 في العاصمة الرياض وكانت اهم توصياته هو ترجمة وتعريب الكلمة “Entrepreneurship” بريادة الأعمال.
وخلاصة القول، فإن التطور التاريخي لريادة الأعمال لا يزال يشهد عقوده الأولى، إذ يتوقع الباحثون أن ريادة الأعمال ستحل يومًا ما محل إدارة الأعمال. وإن الباحثين يرون أن أكثر الاقتصاديات نجاحًا هي تلك الاقتصاديات القادرة على إيجاد مزيج من رواد الأعمال المبتكرين والمؤسسات والشركات الكبيرة الراسخة التي صقلت مبتكراتها، ومكنتها تلك الخبرة من أن تنتج بكميات كبيرة، تلك الابتكارات والأفكار والأساليب والوسائل، التي أوجدها ابتداءً رواد الأعمال، وستعزز مستقبلهم.