استجابة للتوصيات المتعددة والنداءات المتكررة لضرورة مواكبة المناهج التعليمية لحاجات سوق العمل ومتطلبات التنمية استحدثت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني نظاماً جديداً يتيح للقطاع الخاص تقويم خطط وبرامج ومناهج كليات التقنية بما يتلاءم مع متطلبات السوق المتجددة كما يتيح لرجال الأعمال والمختصين المشاركة في تطوير العملية التعليمية بما يتناسب مع الاحتياجات المستقبلية للتخصصات المختلفة.
وهذه الخطوة الرائدة والاستجابة الموفقة من قبل المؤسسة تعكس إدراك القائمين عليها بالحاجة الملحة لتضييق حجم الفجوة المتضخمة بين مخرجات التعليم الفني وحاجة السوق. كما أنها ستكون القناة الفاعلة والميزان المرجح الذي يربط ويوازن بين الحاجة الواقعية للتعليم الفني والطموح الجامح لخريجيه. وهي التجربة الجديرة بأن تمزج بين الأحلام الوردية التي من شأنها أن تتجاوز الأهداف والاستراتيجيات والواقع الملموس المتعطش للسواعد الوطنية.
وقبل أن نبالغ بالتفاؤل والثناء وتبادل التبريكات والتهاني علينا أن نقف قليلاً أمام آليات التنفيذ وإجراءات العمل بمقترحات وتوصيات تلك اللجان الاستشارية. فمن المعلوم لدى المراقبين والمختصين في سوق العمل أن ازدياد الفجوة بين المخرجات التعليمية وحاجات سوق العمل لم تكن بسبب قلة الاقتراحات وندرة التوصيات بل كان سببه الأساس آليات التنفيذ وإجراءات اتخاذ القرار المنبثقة من طبيعة النظام الإداري البيروقراطي.
وعندما تستنير وتحاكي المؤسسة فكرة Advisory Committee المطبقة في الدول المتقدمة فإنها يجب أن تضع في الحسبان أن البيئة الإدارية المطبق فيها ذلك النظام أو تلك الفكرة بيئة قد تجاوزت النظام البيروقراطي إلى نظام غير مركزي يقوم على مبادئ الإدارة بالأهداف. فعندما تقرر تلك اللجان الاستشارية حجب تخصص كامل في كلية المدينة يقف العمل فيه فوراً في السنة القريبة الآتية.
إن ما نخشاه على هذه التجربة الرائدة التي يجدر الاقتداء بها أن يكون مصيرها كمصير تلك اللجان الوطنية التي تبنتها وكونتها إحدى المؤسسات التعليمية حينما اصطدمت بالواقع الإداري إجراءات التنفيذ فكانت مجرد حلم أضيف إلى نادي الرؤى والأحلام.
والحقيقة إن الأنظمة البيروقراطية التي بنيت على أساسها هياكل العديد من المؤسسات العامة، لم تعد تملك السرعة الكافية والمرونة اللازمة لمتطلبات العصر. وعندما ندرك نحن أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين وما يصاحبه من تحديات اقتصادية، وثورة تكنولوجية، وانفتاح عالمي، يجدر بنا أن نقف وقفة جادة لإعادة النظر فيما خلفته البيروقراطية من تبعات أصبحت في كثير من الأحيان عائقاً أساسياً للنمو والتطور وإسراع عجلة التنمية
إننا في هذه المرحلة في حاجة ماسة إلى مؤسسات تتبنى “الإدارة المتحررة” من الهرم المركزي والهيكلية المعقدة في اتخاذ القرار، وتدرك هاجس السرعة، وتدعو إلى الإبداع والتجديد. ومؤسسات تحرص على تبسيط إجراءات العمل، وتعي أن الموظف إنما وجد لخدمة المستفيد، وأن الأنظمة واللوائح والإجراءات ماهي إلا وسائل لتحقيق ذلك. حينها سنرى ثمار الأفكار الرائدة كفكرة اللجان الاستشارية ولن يتكرر على مسامعنا المقولة المعهودة “ما لا يدرك جله لا يترك كله”.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر من رأي قد يناسب الزمان والمكان والظرف الذي قد كتب حينه وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال كما يدور الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ الإدارة والتسويق، جامعة الملك سعود،الرياض [email protected] [email protected]