قبل أيام قليلة افتتح الأمير سلطان بن عبدالعزيز اللقاء العالمي الأول للنخيل الذي تنظمه كلية الزراعة بجامعة الملك سعود بالقصيم، ولم تقتصر هذه الفعاليات بالمؤتمر العلمي بل شهدت المنطقة احتفالية بالنخلة وتكريماً لها على مبدأ “أكرموا عمتكم النخلة”. فتضمنت الأنشطة معرضاً لمنتجي النخيل، ومعرضاً أكاديمي، وسوقاً رائجة من أكبر أسوق النخيل في المملكة،
وهذه التظاهرة المميزة في منطقة القصيم، التي يصل عدد النخيل فيها إلى حوالي 4 ملايين نخلة، هي الخطوة الصحيحة الأولى و المبادرة المناسبة لدعم هذه الثمرة و الاهتمام بها. فدعم النخلة المأمول ليس مجرد رغبة في دعم التراث دون تفكير جاد و تخطيط سليم لجدواه الاقتصادية، بل من المفترض أن يكون اختياراُ استراتيجياً على مستوى الدولة لتعزيز الميزة التنافسية الدائمة للمنطقة بصفة خاصة و للوطن بشكل عام.
وإنتاج التمور ومشتقاتها ميزة تنافسية دائمة لا يضاهيها في الجانب الإنتاجي والصناعي في المملكة إلا الذهب الأسود ومنتجاته الكيماوية والبتروكيماوية، بل ربما فاقت هذه الثمرة الطبيعية بميزتها التنافسية عدداً من المنتجات البتروكيماوية. وسندرك في القريب العاجل أن الانفتاح الاقتصادي القادم سوف يكون البقاء فيه والاستمرار لمن يملك تلك الميزة التنافسية الدائمة، وستلجأ المنشآت والدول والأقاليم إلى التخصص والتركيز كل بما يدعم ميزته التنافسية، وسيصعب عليه النمو والنجاح في غيرها.
وإذا راجعنا المؤشرات الاقتصادية فإننا نرى قصوراً واضحاً في دعم المشاريع الخاصة بالتمور من قبل القطاع الخاص والجهات المعنية بالاستثمار. فالقطاع الخاص لم يزل بعيداً عن استغلال هذه الثمرة الاستغلال الأمثل، واقتصرت المحاولات على التنضيد والتخزين والتغليف الآلي البسيط من قبل عدد محدود من المصانع المتواضعة والتي يعاني بعضها الآن من الخسائر المتلاحقة وتصارع الأيام من أجل البقاء. أما البنوك فإن القطاع الزراعي برمته ليس من القطاعات المغرية، نظراً لأن عائدات تمويله تستغرق وقتاً طويلاً مقارنة بتمويل القطاع التجاري ذي العائد السريع. فلم يحظى قطاع الزراعة إلا بما لا يزيد عن 3% من جملة الائتمان الممنوح لمختلف القطاعات الاقتصادية، ليقبع هذا القطاع في المركز الأخير بلا منازع.
ومع هذه التغيرات المتسارعة فإن الأمل معقود في مجلس الغرف السعودية – الأكثر تحمساً للنخلة – لوضع الخطط والبرامج والتنظيمات المتبنية لمنتجات النخيل كأحد المنتجات الزراعية الإستراتيجية التي تحتاج إلى خطط شاملة في كيفية استغلالها وتحديد المجالات الاقتصادية المجدية للاستفادة من مشتقاتها، ودراسة سبل تصدير وتسويق منتجاتها في الأسواق الإقليمية والعالمية المتطلعة لهذه الثمرة المباركة. وليس من المقبول أن السعودية التي تنتج حوالي 14% من الإنتاج العالمي لا تزال تقبع في المركز الرابع من حيث تصدير منتجات التمور في حين أن الدول الثلاث الأوائل لا تملك تلك الإمكانات والتجهيزات والتمويل والإعانات التي نملكها نحن.
ولعل الإفراط في التفاؤل يدعونا إلى المقارنة بما حظيت به السلعة الإنتاجية والصناعية الأولى -النفط- من دعم كبير تمثل في إنشاء المدن المتخصصة، والمشاريع الضخمة، والمنشآت العملاقة، والكفاءات البشرية المميزة لخدمتها وضمان نموها واستمرارها ومنافستها في الأسواق العالمية. وكذلك الحال بالنسبة للسلعة الزراعية الأولى – التمور- فهي في حاجة إلى إلتفاتة وتنظيم وتخطيط وإنشاء مشاريع ومصانع، ومراكز أبحاث، ومكاتب استشارية وإدارية وتسويقية لتكون ميزة تنافسية أخرى لهذا الوطن.
د. أحمد الشميمري
أستاذ الإدارة والتسويق المشارك
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]