الدوافع من منظور إسلامي

الدوافع من منظور إسلامي

تاريخ النشر: 6 أكتوبر، 2021

أظهرت الدراسات أن الإيمان له دور ملموس في صياغة وتكوين حاجات الإنسان من حاجات فسيولوجية، وحاجات أمن، وحاجات اجتماعية، وحاجات احترام الذات، وحاجات تحقيق الذات. كما أن الإيمان في حد ذاته دافع قوي للسلوك البشري. وبناء على ذلك ظهرت الدراسات الإسلامية التي تربط بين القيم والعادات والتوجيهات الإسلامية وأثرها على تحفيز ودفع العاملين.

حاجات الأفراد والمفهوم الإسلامي لتلك الحاجات:

إن الحاجات التي تدفع الأفراد لأداء سلوك معين هي الحاجات الفسيولوجية، وحاجات الأمن، والحاجات الاجتماعية، وحاجات احترام الذات، وحاجات تحقيق الذات، بالإضافة إلى حاجات الإيمان.

والإسلام يقبل أن يشبع الفرد حاجاته الفسيولوجية، ولكن يجب ألا يطغى إشباع الحاجات المادية على إشباع الجانب الروحي للفرد، وإن الإيمان يجب أن يكون هو الموجه والمسيطر والمحور لحاجات الأفراد الفسيولوجية. كما أن المفهوم الإسلامي يرى أن الحاجات الفسيولوجية ليس من الضروري أن تكون هي المسيطرة على سلوك الفرد في حالة نقصها، ولكن الإيمان إذا توافر لدى الأفراد، فيكون هو المسيطر والموجه لسلوكهم سواء توافر أو تناقص الإشباع للحاجات الفسيولوجية. وفي المفهوم الإسلامي لا تعد الحاجات الفسيولوجية هي أولى الحاجات من ناحية التدرج، ولكن الإيمان يأتي في الدرجة الأولى لتحريك سلوك الأفراد. كما أن الفرد في أدائه لسلوك معين لإشباع حاجاته الفسيولوجية يقوم بدور تعبدي في المفهوم الإسلامي؛ لأن العمل عبادة في الإسلام.

وبالنسبة لحاجات الأمن في الإسلام، نجد أن الإسلام ينادي بضرورة توافر أمن الفرد على دخله الحالي وفي المستقبل، ولكن الأمن في الإسلام أشمل حيث يشمل عناصر أخرى مثل الأمن على الأهل، الأمن على مزاولة العبادة لله، فمثلاً للزكاة دور مهم في تحقيق الأمن الاجتماعي أو الضمان الاجتماعي للأفراد في الإسلام. كما أن الإيمان في حد ذاته يحقق الأمن النفسي.

وإشباع الحاجات الاجتماعية للأفراد شيء أساسي وضروري في المفهوم الإسلامي، بل إنه فرض على الفرد المسلم أن يقوم بدوره الاجتماعي تجاه إخوته وزملائه في العمل وفي المواقع الاجتماعية المختلفة. وينبغي أن يكون إشباع تلك الحاجات محكوماً بتعاليم الإسلام، وإلا فإنه قد يؤدي إلى الانحراف.

والإسلام يعترف بضرورة إشباع الحاجة لاحترام الذات، ولكنه لا يقصرها فقط على المصادر المادية لإشباع هذه الحاجات، حيث إن اقتصار مصادرها على المصادر المادية قد يؤدي إلى التكبر والغرور. ويعد الإيمان مصدراً مهماً لاحترام الذات أمام الله وأمام الناس، وهذا المصدر مستديم ومحرك دائم للسلوك. ويرى الإسلام ضرورة أن يعمل الفرد على تحقيق ذاته في عمله عن طريق إثراء الوظائف أو بأي وسيلة أخرى. ولكن يضاف إلى ذلك أنه في بعض الوظائف التي يصعب إثراؤها، مازال الفرد ينظر إليها كمصدر لتحقيق ذاته؛ لأن العمل مهما تكن طبيعته فهو عبادة، والعبادة جزء من الإيمان بالله.

الإيمان كدافع لسلوك الأفراد في المنظمات:

إن الإيمان له دور فعال في صياغة المفهوم الإسلامي لحاجات الأفراد. والإيمان نفسه يعد علاوة على ذلك حاجة أساسية للفرد وله دور مهم في تحريك الأفراد. فالفرد المؤمن يحرك الإيمان كثيراً من سلوكه، كما أن له دوراً فعالاً في تحريك دوافع حماية الوطن، وفي البناء الاقتصادي والاجتماعي. والإيمان محرك مستديم للسلوك؛ لأنه لا يمكن إشباعه فكلما أخذ الفرد منه كلما ازدادت حاجته للمزيد من الإيمان، وبفرض أن الحاجة الناقصة هي المحرك للسلوك، فهو بذلك محرك مستديم للسلوك.

والإيمان يستطيع تحريك سلوك الأفراد، حتى ولو أن جزءاً من حاجاتهم الفسيولوجية، وحاجات الأمن، والحاجات الاجتماعية، وحاجات احترام وتحقيق الذات غير مشبع، وذلك واقع فعلي لبعض الدول الإسلامية، حيث إن هناك نقصاً في إشباع بعض الحاجات الفسيولوجية، ويستلزم الأمر خلق فائض إنتاجي لازم لتطور ونمو المجتمع عن طريق دفع الأفراد للعمل وزيادة الإنتاجية. ودافع الإيمان يلعب دوراً مهماً في ذلك. كما أن ذلك له واقع تاريخي، حيث إن انتشار الدين الإسلامي والفتوحات الإسلامية لم تتم في الغالب إلا بواسطة أفراد مسلمين يحركهم دافع الإيمان بالرغم من أن حاجاتهم المادية لم تكن مشبعة بدرجة عالية، كما أن إمكانياتهم من ناحية العدد والقوة كانت في الغالب أقل من إمكانية وعدد أعدائهم، وكان الإيمان هو العنصر الغالب لديهم وانتصروا به.

حوافز تحريك السلوك في المفهوم الإسلامي:

هذه الحوافز موجهة لإشباع النقص في حاجات الأفراد، وذلك بقصد تحريك سلوك الأفراد لأداء عمل معين بكفاءة مرتفعة. ولكن القول: إن الحوافز التي تعمل على تحريك دوافع الإيمان تقدم بواسطة الفرد نفسه عن طريق العمل الصالح وجعل صفات الفرد المؤمن واقعا في حياته. كما أن المجتمع يلعب دوراً آخر في تقوية الحاجة للإيمان عن طريق سياسة التعليم، ومن خلال صياغة سياسات الدولة الدفاعية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية صياغة إسلامية وجعل هذه الصياغة واقعاً فعلياً ملموسا. كما أن المنظمة تستطيع أن تقدم بعض الحوافز التي تحرك الإيمان كدافع للسلوك مثل وضع سياسات إدارية في ظل توصيات الإسلام وإنشاء أماكن للصلاة والسماح بالصلاة في أثناء العمل وأخذ السلوك الإسلامي الممكن قياسه كأخذ عناصر كفاءة العاملين، وتشجيع محاضرات التوعية الدينية في أخلاق العمل والوظيفة، وبعض المكافآت المادية ذات الطابع الديني، مثل إنشاء مكتبات إسلامية ومراعاة حد أدنى من السلوك الإسلامي عند الاختيار والتعيين.

أما الحاجات الخمس الأخرى وهي الفسيولوجية، الأمن، الاجتماعية، احترام الذات، وحاجات تحقيق الذات ،فيمكن القول: إن الحوافز التي توجه لإشباعها هي الأجر النقدي، مكافآت، مشاركة في الأرباح، تأمين صحي، العلاوات، الترقية، خدمات مثل السكن والمواصلات ووجبات غذائية، وساعات عمل مناسبة ،أوقات راحة، خطابات تقدير، رحلات، نشاط رياضي، المشاركة في اتخاذ القرارات، زيادة الترابط الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، احترام الذات، وإثراء الوظيفة حتى تشبع المستوى الأعلى من الحاجات مثل حاجات تحقيق الذات وحاجات احترام الذات.

شروط يجب توافرها عند تصميم نظام حوافز العاملين بالمنظمة:

في ضوء المفهوم الإسلامي للدوافع يمكن القول بأن شروط نظام الحوافز هي:

  1. العدالة في منح الحوافز بحيث ينبغي أن تحصل الوظائف التي تستلزم الكفايات نفسها وظروف العمل نفسها والأجر الأساسي ذاته. وعادة ما يتم ذلك العدل باستخدام تقويم الوظائف، والعدل يجب أن يدركه العاملون وأن يشعروا به. فالعدل في دفع الأجور مفهوم إسلامي أصيل، حيث قال تعالى: (وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون)، (الأحقاف: 19)، وقال عز وجل (ولا تبخسوا الناس أشياءهم). (الأعراف: 85). وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومنهم رجل استأجر أجيراً واستوفى منه ولم يعطه أجره.»
  2. أن يتفاوت الأجر على أساس اختلاف مسؤوليات وظروف العمل لكل وظيفة، وذلك فيما يتعلق بالأجر الأساسي. أما بالنسبة للحوافز الأخرى المادية فيجب أن يرتبط الاختلاف فيها باختلاف إنتاجية الأفراد، إذا كانت ظروف الوظيفة تسمح بذلك. وينبغي أن يرتبط حصول الفرد على تلك الحوافز بضرورة تحقيقه مستوى معين من الأداء. فإذا ما أنتج ذلك المستوى المحدد بطريقة علمية يحصل الفرد على الحوافز المادية المقررة لذلك.
  3. ينبغي أن لا تنحصر حوافز العاملين في العناصر المادية الملموسة فقط، ولكن ينبغي أن تشمل حوافز الإيمان كما تم إيضاحها، وكذلك الحوافز التي تعمل على إشباع الحاجات الاجتماعية وحاجات احترام وتحقيق الذات. ولكن يجب مراعاة ظروف العاملين في تقديم هذه الحوافز، ودرجة تفضيلهم لأوليات هذه الحوافز بالنسبة لهم.
  4. أن لا يكون هناك فارق زمني كبير بين أداء العامل لعمله وبين حصوله على نتاج عمله من أجر وحوافز أخرى. ويؤيد ذلك حديث الرسول صل الله عليه وسلم: «أعط الأجر أجره قبل أن يجف عرقه».
  5. يمكن أن يستخدم ما يسمى بنظام الكافيتريا في المكافآت المادية والمعنوية، ويعني أن تعرض المنظمة مجموعة الحوافز التي يمكن أن تقدمها للعاملين، وتترك للعاملين حرية الاختيار من بين هذه الحوافز حسب تفضيلهم للأهمية. وبذلك تكون الحوافز لها قيمة لدى الأفراد العاملين بناء عليه يزداد تأثرها على الإنتاجية وأداء الأفراد.
  6. أن تعمل الإدارة على مساعدة العاملين للوصول إلى تحقيق مستوى الأداء المطلوب منهم والذي يبلغهم للحصول على الحوافز والمكافآت المرتفعة. وتتم المساعدة عن طريق تنظيم برامج تدريبية.
  7.  أن يتضمن نظام حوافز العاملين ما يزيد ويقوي دافع الإيمان لدى الأفراد.

 

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]  [email protected]