التوجيه المهني للطلاب

التوجيه المهني للطلاب

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

1- أهمية التوجيه المهني بالنسبة لمواءمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل

إن الجدل الدائر حول علاقة التعليم بسوق العمل قد انحصر الآن واتضح للمنظرين أنه لم يعد التعليم نفسه لمجرد التعليم والثقافة بل لا بد أن تراعي مخرجات التعليم بالدرجة الأولى خطط التنمية القومية والمتغيرات في سوق العمل. ومن هذا التصور تظهر الحاجة الملحة إلى وجود توجيه مخطط للطلاب حول التخصصات المتناسبة مع الاحتياجات الحالية والمستقبلية للسوق. وقد نتج عن إغفال هذه الرؤية على المستوى التنفيذي فجوة واسعة بين الواقع والاحتياجات فتمخض عنها اختلال في ميزان العرض والطلب في السوق المحلية. والالتفات المتأخر لهذه الفجوة جعلنا أمام تحديات علاج أعراض المشكلة قبل التفرغ لعلاج المشكلة ذاتها. فالبطالة بدأت تتزايد في البلاد ففي تقرير حديث أعده أحد البنوك المحلية عن حجم البطالة في المملكة فإن من بين كل ثلاثة يتقدمون لسوق العمل الآن يتمكن واحد منهم فقط من الحصول على وظيفة، كما يؤكد التقرير أيضاً أن ما بين 15 و 20 في المائة من الشباب السعودي بين سن  20 و 29 عاماً لا يجدون عملاً.    

وإجمالاً فإن التوجيه المهني من أحد الاستراتيجيات التي ينبغي أن توضع في خطط التنمية الرئيسة، وترجم ببرامج ومناهج وإدارات معنية بالتنسيق الدائم لإيجاد الكوادر الوطنية المطلوبة في الحاضر والمستقبل.

 

2- الآلية المقترحة

 إن المطلوب الآن من الأجهزة المعنية في المؤسسات التعليمية إنشاء وحدات ومراكز توجيه مهني أسوة بما هو الحال في الغرب المتقدم. فهناك يوجد في كل جامعة مركز للإرشاد المهني والوظيفي مهمة هذا المركز إرشاد الطلاب والطالبات نحو التخصصات المطلوبة، والسعي لتأهيل الطالب لسوق العمل من خلال الدورات المجانية حول كيفية البحث عن عمل، والمجالات المطروحة الحالية والمستقبلية في السوق، وكيفية كتابة السيرة الذاتية، وتجاوز مقابلة التوظيف بنجاح. وكذلك توفير أسماء وعناوين الشركات الراغبة في شغل الوظائف، ومعلومات كافية عن احتمالية الحصول على عمل في تخصص ما، وما هو الراتب المتوقع الحصول عليه، والمزايا الممكن القبول بها، ومعلومات عديدة ووفيرة فضلاً عن الإرشاد الشخصي وإجراء اختبارات شخصية وتجريبية لكل طالب وظيفة.

وما نرغب أن نراه في هذا الوطن مكاتب شبيهة تشرف عليها المؤسسات التعليمية، وتمتد خدماتها إلى التوجيه والإرشاد في المراحل التعليمية الأساسية، وبما أننا نعالج الأعراض الآن فلا أقل من أن نبدأ بالجامعات ثم الثانويات، على أن يتزامن مع ذلك برامج توجيهية شاملة تبدأ من التعليم الأولي وتقع مسئوليتها الأساسية على التعليم العام.

أما في فترة التسجيل نفسها فإن الأثر سيكون ضئيلاً، ففي تلك الفترة يكون هم الطالب أن يحصل على مقعد .. بل أي مقعد في الجامعة أو الكلية، وتكون الرغبات محصورة بما هو متاح وليس بما هو مناسب أو مرغوب.

 

3-  إدراك الطالب 

بحكم تجربتنا الدورية في كل فصل دراسي في جامعة الملك سعود – في القصيم  فإن اغلب الطلاب المتخرجين من الثانوية لا يعرفون ماذا يعني تحديد المسار الوظيفي، وربما لم يسمعوا يوماً بما نطلق عليه المسار الوظيفي فضلاً عن كيفية تحديده ووضع الأهداف للانخراط في ذلك المسار. وقد لا نلوم الطالب كثيراً لجهله بالتوجيه المهني، ولكننا نلوم بالدرجة الأولى المناهج التعليمية ابتداءً من التعليم الأولي وحتى نهاية التعليم الجامعي. فربما مر الطالب في حياته الدراسية كلها ولم يحدثه أحد قط عن وضع رسالة لحياته وأهداف مستقبلية لتحقيق آماله وغاياته التي يسعى من أجلها. فهو يدرس لأن الآخرين يدرسون، ويريد أن يلتحق بالجامعة لأن الآخرين يلتحقون بها، ويريد أن يعمل في وظيفة مرموقة لأن الآخرين كذلك. وهذا الخلل التربوي الكبير ظاهرة عالمية فإذا كانت الدراسات التي أجريت على طلاب جامعة ييل الأمريكية الشهيرة أوضحت أن 4% فقط من الطلاب يضعون لهم أهدافاً مستقبلية ويسعون لتحقيقها، وأن 1% فقط يدونون هذه الأهداف فما ظنك في طلاب العالم الثالث؟

وفي الواقع فتوعية الطالب بأهمية تحديد مساره الوظيفي أصبحت الآن على كاهله ومن مسئولياته هو، وعليه إن لم يجد من يرشده لتنمية المهارات اللازمة لوضع الأهداف المستقبلية والخطط الإجرائية لتحديد المسار الوظيفي أن يتعلمها هو بنفسه. وكما يرى المتفائلون فإن المنافسة الحالية في سوق العمل ستفرز جيلاً سيختلف عن جيل الطفرة الحالي.

 

4- التوجيه في الوحدات التعليمية

 التوجيه المهني في عموم مؤسسات التعليم ضعيف جداً، ولا يسد الحاجة، ولا يفي بالغرض، ولا يرتكز على وضع خطط استراتيجية على المستوى العام للدولة، بل على اجتهادات متواضعة وحملات دورية متفرقة تسعى بين الحين والآخر لبث الوعي دون متابعة وتقييس واستمرار مدروس ومخطط له. والأمل معقود على صندوق التنمية البشرية الذي ستشرف عليه المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، ونأمل أن يكون من خططه وبرامجه الأساسية إنشاء إدارات ومراكز خاصة بالتوجيه الوظيفي على مستوى المملكة، ووضع برامج تنفيذية وإدارات إعلامية متكاملة مع مؤسسات التعليم الأخرى تسعى إلى إرشاد وتوجيه النشء منذ مراحل تعليمه الأولية في كيفية تحديد مساره الوظيفي المطلوب وفقاً لمتغيرات خطط التنمية ومتطلبات سوق العمل.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما هي الحال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]