في منتصف الثمانينات الميلادية واجهت شركة الطيران (ساس) الأمريكية خسارة فادحة قدرت بـ 8 ملايين دولار خلال عام واحد، فأخذت تبحث عن منقذ لها من التدهور و الانكسار فلم تجد أمامها من بد سوى حل مجلس الإدارة كاملا و الاستعانة برجل تسويق يدعى كارلزون الذي استطاع خلال عام واحد أن ينقل الشركة من الوضع الخاسر الى تحقيق أرباح بلغت 71 مليون دولار أمريكي.
هذه القصة القصيرة لم يكن بطلها ساحراً ولا كاهناً يخيل للناس الأرقام القياسية للأرباح الوهمية، أو يصبغ السجلات المحاسبية بالأدوات التجميلية لتظهر للعامة بالمظهر الأنيق والوجه الحسن. بل اقتصر الأمر كله على تقديم مفهوم جديد استمد فكرته من مبادئ الهندرة وقدمه كنموذج حديث لقياس جودة الخدمة وتطويرها. فقد اعتبر كارلزون هذا ان العميل يمر بمراحل و مواقف عدة يتفاعل فيها مع موظفي المنشأة و في كل مرة يتم فيها هذا التفاعل بين الطرفين يختبر العميل جودة هذه الخدمة و يخرج بانطباع إما سلبي أو إيجابي نحو هذه المنشأة. و بعد حصر هذه المواقف و المراحل التي يمر فيها العميل عملت شركة “ساس” على تطوير كل مرحلة لضمان حصول العميل على أقصى درجة من الرضاء و الإشباع. و بهذا الإجراء البسيط نظرياً والمعقد عملياً وتطبيقاً استطاع كارلزون تحقيق تلك الأرباح الطائلة كما استطاع أن يسطر اسمه في عالم الإدارة والتسويق كمبتكر لنموذج الجودة المسمى ” سلاسل الأحداث ولحظات الاختبار”.
وما يعنينا من هذه القصة ليس النجاح والإبداع، فالناجحون والمبدعون في عالمنا المعاصر وربما في يبئتنا النامية كثيرون، لكن المستفيدين من نجاحات الآخرين في مجال الإدارة والتسويق قلة قليلة وعملة نادرة. فمثل هذا المفهوم البسيط يغفل عنه مقدمو الخدمات لدينا بل لا يلقي كثير منهم له بالاً ولا اهتماماً. فكثير من مقدمي الخدمات ربما أخفقوا في كسب رضاء المستهلكين و إشباع حاجاتهم و تلبية رغباتهم لمجرد تجاهلهم لهدا المفهوم. فشركة خطوط الطيران مثلاً ربما أخفقت في الاختبار و سقطت من عين المستهلك – الكليلة أحيانا – إذا لم تولى اهتمامها مسألة بسيطة كالحرص على النظام في خدمة الراكب عند وصول المطار، أو لمجرد التفريق في المعاملة بينه وبين من يتساوى معه في الحقوق. كما قد تسقط من عين العميل شركة الكهرباء حينما يقوم أحد موظفيها بالتعامل مع أحد الشركات بصلافة و جفاف ظنا منه أن في هدا التصرف حفظ لحقوق الشركة ومصالحها. ولنا أن نقيس على ذلك باقي منشآت الخدمات التي لها اتصال مباشر بعملائها من الشركات والمؤسسات أو الأفراد.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]