تعددت معاني الخلق في الاصطلاح الـشرعي ، ومـن تعاريفه الجامعة : ( أنه هيئة راسخة في النفس ، تصدر عنها الأفعال الإرادية الاختيارية من حسنة وسيئة ، وجميلة وقبيحة ) . والخلق هيئة بطبعها قابلة لتأثير التربية الحسنة والسيئة فالخلق لا يتكون في النفس فجأة ولا يولد قوياً ناضجاً وهذا سر ارتباطه بأعمال متـكررة وخـلال صفة الدوام لها . وشاهد ذلك قوله ( كل مولود يولد عـلى الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه). وقال تـعالى : وأما من خـاف مقام ربـه ونهى النـفس عـن الهـوى فإن الجنة هي المـأوى . وقـال : وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء .
وفي سنتنا المطهرة العديد من الأحاديث النبوية التي تحث على حسن الخلق ، وأنه هدف رسالة سيدنا محمد هو اتمام مكارم الأخلاق فقد روى عنه أنه قال : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وقد جاء أناس إليه فقالوا : من أحب عباد الله إلى الله تعالى ؟ قال : أحسنهم خلقاً . وفي رواية : ما خير ما أعطي الإنسان ؟ قال ( خلق حسن ) . وقال إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء ، وأن أحسن الناس إسلاماً ، أحسنهم أخلاقاً ) وروي عنه أنه قال : ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، إن الله يكره الفاحش البذيء وان صاحب الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ) ، وسئل أي المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال : أحسنهم خلقاً ) .
مصادر أخلاقيات الموظف
يمكن تقسيم مصادر الأخلاقيات وتحديدها بما يلي :
- الذات : إن الإنسان لا يسعى إلى تحقيق غاية ما إلا إذا كان لها صدى في نفسه ، وتستثير شغفا خاصاً عنده وعليه فإن العمل الأخلاقي لابد وان يبدو جميلا وجذابا أمام الذات الإنسانية لكي تقدم عليه ، وبالتالي فان هذه الذاتية ستعمل على إخضاع القواعد الأخلاقية نفسها إلى نظرة الفرد وتقديره الخاص . وهذا أمر محفوف بالمخاطر لأنه لا يعطي القواعد الأخلاقية الثبات والاستقرار والاستمرارية اللازمة لها .
- الأسرة : ينقل الإنسان سلوكه الذي ورثه من أسرته إلى المنظمة وهذا السلوك يعبر عن واقع بيئته المعيشية وظروف حياته المادية . فالأسرة التي تربي أبناءها على المبادئ والمثل الدينية من صدق وأمانة ، واحترام ، يظل هؤلاء الأبناء متمسكين بهذه المبادئ .
- المؤسسات التعليمية : تستطيع هذه المؤسسات إن تلعب دوراً مهما في إعداد الطلبة لدخول المجال الوظيفي ، حيث تستطيع توجيههم وتوعيتهم وتدريسهم بعض المسائل في الدين والأخلاق والعلاقات العامة حتى تنجح في تنمية سلوك الطالب الإيجابي تجاه المسئولية والانتماء والإخلاص .
- المجتمع : إن المجتمع الذي تسوده قيم سياسية أو اجتماعية أو عقائدية متناغمة لابد وان ينقل أفراده هذه القيم إلى التنظيم ، وتنعكس على ممارستهم لوظائفهم . وإذا كانت هذه القيم تقوم على شرع الله وتعاليم دينه المتوازن ، فإنها تحرص على وضع حد للمخالفات والأخلاقيات وتعاقب المعتدى ، ولا تراعي فرداً على آخر لجاهه أو مكانته في المجتمع .
- القيادة القدوة : إن القيادة الإدارية الناجحة هي التي تستطيع أن تبث في الهياكل الجامدة روح الحياة عن طريق إشعار كل موظف في الإدارة بأنه عضو في جماعة تعمل متساندة ومجتمعة لتحقيق هدف معين في التنظيم ، والقيادة القدوة هي التي تأخذ الأمور بقوة ليس فيها شدة ، ولين ليس فيه ضعف ، وتستطيع أن تغرس فضائل الأخلاق في نفوس المرؤوسين ، وتوجد الروح الجماعية التي تتعاون فيما بينها ، وتحترم الآخرين ، وتكون خادمة للمصالح العامة لا سيادة لها لأنها اكتسبت هذه الأخلاق من رؤسائها وستسقيها لمرؤوسيها .
- تشريعات الخدمة المدنية : إن مجموعة التشريعات والقوانين والأنظمة واللوائح الصادرة استناداً إلى المصادر التشريعية المعمول بها في الدول تعتبر من المصادر المهمة للأخلاقيات وذلك لأنها تضبط وتتحكم في تسيير دفة الإدارة في الاتجاه الذي تراه يخدم سياسة الدولة ويحقق أهدافها . ومن زاوية أخرى لأنها بناء على ذلك ، تعمل على تحديد واجبات ومسئوليات الوظيفة التي هي الركيزة الأساسية في التنظيم الإداري ، فتبين ما هي الواجبات التي تفرضها الوظيفة وما هي المحظورات التي يتوجب عدم الاقتراب منها في هذه الوظيفة .
أخلاقيات الموظف المسلم
يمكن إجمال أهم العناصر الأخلاقية التي يجب على الموظف المسلم التحلي بها والقيام بمستلزماتها بالعناصر التالية :
- الالتزام بإنفاذ الحكم الشرعي : إن الموظف هو فرد يقوم بعمل لصالح المجتمع المسلم في تنظيم إقامة هذا المجتمع لرعاية مصالحه . والمصلحة الأولى للمجتمع الإسلامي هي الالتزام بالحكم الشرعي الذي شرعه الله سبحانه وتعالى والتأكد من تنفيذ هذا الحكم ، وذلك امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، والولاء عند أداء الوظيفة في الإسلام لا يكون للتنظيم ولا للهيئة ولا لجهة التوظيف ، إنما يكون للمبدأ . وهذا يوجب على الموظف أن يبادر فوراً للتنبيه إلى مكامن الخطأ في التنظيم ، بغض النظر عن مصدره ، وفي أي مستوى إداري كان ، لان المبدأ اعظم من كل المستويات . فعن أبي رقية تميم بن أوس الداري أن النبي قال : ( الدين النصيحة ) قلنا : لمن ؟ قال 🙁 له ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ).
- أداء العمل بدقة وإخلاص : إن طبيعة العلاقات بين الموظف والدولة أو المنشأة الخاصة هي علاقة تعاقدية وبناء على هذه العلاقة ، واستناداً إلى قوله سبحانه وتعالى يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود ، فانه يترتب على الموظف أن يؤدي العمل بأقصى الإمكانات المتوفرة لديه وفاء بهذا العقد . كما يجب أن يكون الأداء مستوفيا لجـميع الشروط الفنية استناداً لقوله سبحانه وتعالى وأوفوا المكيال والميزان بالقسط ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين . فالأداء لا يعني فقط الإنجاز بأي شكل من الأشكال إنما يتجاوزه إلى الإنجاز بأقصى درجات الاستطاعة ، مع استشعار المسؤولية أمام الله في ذلك وقد بين الرسول ذلك بقوله في الحديث : ( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه ) .
- الأمانة : يجب على الموظف أن يكون أميناً في أدائه لوظيفته ، وان يترفع عن كل ما ينقص من كيانه كخادم للامة، أو يهز من ثقة الجمهور به كممثل للدولة أ و للمنشأة الخاصة التي يعمل فيها، فوظيفته التي يشغلها ليست ملكا له، بل هي تكليف لا تشريف، ولذلك يقول الرسول لأبي ذر ناصحاً له : ( يا أبا ذر إنها أمانة ، وإنها حسرة وندامة إلا من أخذها بحق الله فيها ) . وبناء عليه ، يجب على الموظف ألا يستخدم الوظيفة لتحقيق مصالح خاصة سواء له أم لأقاربه أم لمعارفه ، لان في هذا الاستخدام المصلحي للوظيفة استغلالاً، والاستغلال خيانة، ويحذرنا الله سبحانه وتعالى من الخيانة فيقول ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون ).
- إطاعة الرؤساء وتنفيذ أوامرهم : يتوجب على الموظف أن يطيع رؤساءه في الأوامر التي يصدرونها إليه، وذلك استناداً لقوله سبحانه وتعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم . وأن تكون الطاعة بالمعروف ، وحتى إن كره الموظف من رئيسه شيئاً فيجب أن لا يخلط بين ذلك وبين الطاعة بالمعروف للأوامر . فعن أنس قال : قال رسول الله : ( اسمعوا وأطيعوا ، وإن استعمل عليكم عبد حبشي ، كأن رأسه زبيبة ) . وعن أبي هنيدة وائل بن حجر قال : سأل سلمة ابن يزيد الجعفي رسول الله ، فقال : يا نبي الله ، أرأيت إن قامـت علينا أمراء يسألونا حقهم ، ويمنعونا حقنا ، فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ، ثم سأله فقال رسول الله : ( اسمـعوا وأطيـعوا ؛ فـإنما عليهم ما حملوا ، وعليكم ما حملتم ) .
- عدم تضييع وقت الدوام الرسمي : وقد يكون ذلك بالتأخر عن الحضور إلى الدوام الرسمي أو التبكير في الانصراف منه . بل قد يكون الموظف مواظباً ولكن يضيع أوقات الدوام الرسمي في عدم تكريس هذا الوقت في العمل المنتج ، فيضيعه في الزيارات والمجاملات والاتصالات الشخصية، وفي هذا تضييع لحقوق الناس وأوقاتهم ومصالحهم، أو الانصراف عن مصالح العمل والمراجعين وأصحاب المصالح، والتنصل من مواجهتهم وقضاء حوائجهم . وهو ما يسمى بالشرع احتجاب الراعي عن الرعية وما يترتب عليه من تعطيل مصالحهم وفي ذلك يقول الرسول ( من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره ) .
- عدم المحاباة والمحسوبية : إن المحاباة والمحسوبية هي أولى خطوات الفساد الإداري وتضييع المصلحة العامة . فهي تقدم منفعة لبعض الناس وتفضلهم على الآخرين ، وفي ذلك إخلال بمبدأ تكافؤ الفرص والعدل والمساواة . ولقد حذر الرسول من ذلك فقال : ( من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلاً وهو يـجد مـن هو أصـلح للمسلـمين منه ، فقد خان الله ورسوله ) . ومن المحاباة أن يقرب من يرغب ومن يزين له الأعمال ويكيل له المديح ، ويبعد من يقول الحق ، ويحرص على الخير ويـدله عليه . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ( إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه . وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزيـر سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه ) .
الاستقامة : وهي اتباع السلوك القويم دون خلل أو اعوجاج ، وذلك من خلال الالتزام بما جاء في كتاب الله عز وجل ، وما فسرته السنة النبوية الشريفة ، والاستقامة تشمل ضمن ما تشمل اتباع الطريق القويم في معاملة الآخرين ، وفي أداء الأعمال ، والتجرد في الحكم ، والأمانة في البيع والشراء والتعاملات المالية والوظيفية في شتى أشكالها .
8) محاسبة النفس وتهذيبها : تعتبر محاسبة النفس الخطوة الأولى في طريق الالتزام الأخلاقي للأفراد ، فهي نوع من أنواع الرقابة الداخلية يجريها الفرد على سلوكه الخاص . وتزداد محاسبة النفس وضوحاً وتأثيراً بالنسبة للفرد السوي ، أما الفرد غير السوي فإنه قد لا يلتزم كثيراً بالمبادئ والقيم الأخلاقية ، وبالتالي فإنه لا يشعر لوطأة محاسبة الذات . وعليه فإن الفرد السوي يواجه بصرخات حادة إذا ما حاول القيام بمجموعة من السلوكيات التي لا تتفق مع المبادئ الأخلاقية . يقول المصطفى ( الإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس ) . أما الفرد غير السوي فإنه يستطيع بسهولة أن يخرق القواعد والمبادئ الأخلاقية ( مثل : الكذب ، الخيانة ، الخداع ، والسرقة ) دون أن يتأثر ودون أن يعاني من ضميره الكثير ، وإن كان مـن يـتعامل معهم يتأثرون بدرجة كبيرة بمثل هذا النوع من السلوك .
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر من رأي قد يناسب الزمان والمكان والظرف الذي قد كتب حينه وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال كما يدور الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ الإدارة والتسويق، جامعة الملك سعود،الرياض [email protected] [email protected]