هل نحن متصدقون ؟ | ?Do we give Charity

هل نحن متصدقون ؟ | ?Do we give Charity

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

أوضحت إحدى الدراسات الاستطلاعية التي نُشرت في الولايات المتحدة الأمريكية أن مجموع التبرعات التي يقدمها الشعب الأمريكي للمنظمات الخيرية تفوق ما مقداره 87 بليون دولار أمريكي سنوياً. وإن حوالي 82% من هذه التبرعات أي ما يقارب 71.72 بليون دولار يقدمها أفراد الشعب العاديين وليست منشآت الأعمال. ليس ذلك فحسب بل أوضحت الدراسة أن الأمريكان يتبرعون من أوقاتهم للخدمات الخيرية والجمعيات الاجتماعية والدينية والمنظمات الإنسانية والحيوانية أيضاً بما يزيد عن 264 بليون ساعة عمل. وهو ما يمكن أن يقابله توظيف 6.6مليون موظف يعملون دواماً كاملاً.

هذه المقتطفات المختصرة من الدراسة السابقة استوقفتني كثيراً وحملتني على التأمل في أحوال هؤلاء القوم، وكيف أصبح التكافل الاجتماعي والعمل الخيري والإنفاق السخي هماً عاماً لدى أفراد الشعب .. يبذلون له أموالهم وأوقاتهم وجهودهم بسخاء يثير الإعجاب.

قد يقول قائل أن التهرب من الضرائب الحكومية هو أحد الأسباب الرئيسة لضخامة هذه الأرقام، وقد يقول آخر أن معظم هذه الأموال تذهب في الأنشطة السياسية المختلفة. لكن الحقيقة التي كشف عنها هذه الدراسة بينت أن ما يزيد عن 82% من تلك التبرعات تأتي من قبل الأفراد .. والأفراد هناك أمامهم عشرات الطرق والسبل التي يمكن أن يتحايلوا بها على نظام الضرائب دون الحاجة إلى التبرع.

أما الأنشطة السياسية فهي لا تستحوذ إلا على نزر يسير من هذه التبرعات، فعلى حد معلومات الكاتب براين كونيل  Brain Connel  الذي ألّف كتاباً سماه “أين ينفق الأمريكان أموالهم وأوقاتهم” أن مجالات الإنفاق تنحصر في تسعة أغراض أساسية هامه منها: خدمة المعرفة ونشر العلم، وتحسين مستوى المعيشة، والسعي في تحقيق حاجات الناس وآمالهم، ومساعدة المعسرين والمنكوبين، وتحسين خدمات الحي، ونشر التسامح والسلام بين الناس، وتذكر الأموات.

وإذا نظرنا إلى هذه المجالات وجدناها كلها مطالب شرعية، وأوجه خير يدعو لها ديننا الحنيف، بل ويندرج بعضها ضمن مصارف الزكاة الشرعية الواجبة على كل مسلم مقتدر.

وفي ظني أن الذي أعان على جمع هذه الأموال الطائلة سنوياً ليس الدافع الخيري لدى الأفراد هناك بل الطريقة العلمية المنظمة في كيفية حث الناس على التبرع بالمال والوقت. فجمع التبرعات علم قائم بذاته وتخصص تمنح المركز والجامعات لمتخصصين به والمتدربين عليه شهادات جامعية ودرجات عليا. وله من الطرق ما ينسب كل فئة وجمع، ومن السبل ما يراعي كل مقام ومقال.

ولكي نستطيع نحن أن نحقق مثل تلك النتائج الباهرة فعلينا أن لا نقتصر على الدوافع الآخروية والأساليب التقليدية في حث الناس ودفعهم على البذل والعطاء. فالوقوف أمام أبواب المساجد، و ملاحقة المتسوقين في الطرقات، والزيارات المقتصرة على أفراد معينين في المجتمع دون غيرهم في كل مشروع خيري لم تعد أساليباً كافية ومقنعة في ظل تعدد أوجه الخير وتمدد المكان الجغرافي للباذلين وللمحتاجين، وانتعاش المستوى المعيشي للمجتمع القادر على البذل والعطاء.

إن جمعياتنا الخيرية في حاجة اليوم إلى إعادة النظر في برامجها الحالية وخططها المستقبلية لتساير المتغيرات المتسارعة في بيئتها، وإذا لم يتهيأ لها الاستعانة بالخبرات المدربة والكفاءات المتخصصة في كيفية إدارة وتصميم الحملات التبرعية والبرامج التحفيزية فإن من واجباتها ابتعاث أعضائها وموظفيها لتعلم هذا العلم عند أهله ومن برزوا وأبدعوا فيه.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما هي الحال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]