يعتبر هذا السؤال التقليد العتيد من بين أكثر الأسئلة التي يتعرض له الدارسون والباحثون في مجال الإدارة. لقد اختلف علماء الإدارة فيما بينهم في الحكم على الإدارة من كونها علماً أو فناً ولكل فريق مبرراته التي تدعم وجهة نظره.
ففيما يتصل بالفريق الأول الذي ينظر إلى الإدارة على أنها علم فإنه يدعم وجهة نظره بالقول أن الإدارة علم راسخ لما تحويه من نظريات علمية ومبادئ تطبيقية تدرّس في كليات متخصصة. بل إن الإدارة أصبحت تضم العديد من فروع المعرفة والتخصصات الفرعية. ومعنى هذا أن الإدارة تعتمد على الأسلوب العلمي في ممارسة وظائف الإدارة (العملية الإدارية) كالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة إلى جانب اتخاذ القرارات. فالإدارة تقوم بملاحظة الظواهر والمشكلات الإدارية وتفسيرها والتنبؤ بحدوثها من أجل التحكم فيها أو على الأقل التكيف معها. من هذا المنطلق فقد ذهب أنصار هذا الرأي القائل بأن الإدارة علم إلى القول بأن هناك نظريات ومفاهيم إدارية ثبتت صحتها بالتطبيق العملي. كما ظهرت نتائج تثبت العلاقة الإيجابية بين الالتزام بهذه النظريات وبين زيادة الإنتاج الذي هو هدف كافة النظريات على اختلافها. بل لقد ذهب فريق من المؤيدين للاتجاه العلمي في الإدارة إلى أبعد من ذلك، حينما استدلوا على “علمية” الإدارة بظهور مدرسة “الإدارة العلمية” لفردريك تايلور Fredrick Taylor التي تستخدم الوسائل العلمية فيما يتصل بتحديد خطوات العمل والزمن المطلوب لإنجاز كل خطوة وتقييم بدائل القرارات وفقاً لمعايير محددة من أجل اختيار البديل الأمثل. هذا بالإضافة إلى أن المداخل الحديثة في الإدارة قد اتجهت نحو الإدارة بالكم، وذلك باستخدام النماذج والمعادلات الرياضية في إيجاد حلول بعض المشاكل التي تواجه الإدارة، ولعل استخدام بحوث العمليات Operation Research يعد دليلاً على القول بأن الإدارة علم.
بالمقابل يرى فريق آخر أن الإدارة فن وليست علم وهم يدافعون عن وجهة نظرهم هذه بقولهم أن النجاح في تطبيق مبادئ وقواعد الإدارة يعتمد بالدرجة الأولى على خصائص الأشخاص وهم يختلفون فيما بينهم بحسب إمكاناتهم وقدراتهم. فالإعداد العلمي وحده لا يضمن وجود الأشخاص الإداريين الناجحين ؛ مشيرين إلى العديد من الأمثلة للنجاح الكبير الذي حققه الكثيرون من الأشخاص دون أن تتاح لهم فرصة الالتحاق بالكليات أو المعاهد المتخصصة أو دراسة النظريات العلمية الإدارية المتعمقة. بل لقد ذهب أصحاب الرأي القائل بأن الإدارة فن إلى أبعد من ذلك حينما قالوا بأن الإداري يولد ولا يصنع، بمعنى أن الإدارة موهبة واستعداد شخصي يولد مع الإنسان ولا يكتسب.
من ناحية أخرى يرى بعض المؤيدين للرأي القائل بأن الإدارة فن بأن هناك العديد من العمليات الإدارية التي لا يمكن قياسها أو تقديرها كماً وعدداً حيث أنها تتصل بالطبيعة البشرية للأشخاص الذي يصعب إخضاع سلوكهم للاختبار والتجارب العلمية. لذا فإن الاعتماد الأكبر في اتخاذ القرارات في أغلب العمليات الإدارية يتمثل في الخبرة الماضية للأشخاص الإداريين وأحكامهم الشخصية وليس على التحليل الرياضي أو الهندسي.
مما سبق نخلص إلى القول بأنه على الرغم من أن لكل فريق مبرراته فيما يدعم وجهة نظره سواء بالقول بأن الإدارة علم أو فن، إلا أننا يمكن أن نقول أن الإدارة علم وفن في آن واحد، فهي علم وذلك لأنه يوجد لدى الإدارة اليوم العديد من النظريات والمفاهيم التي يمكن على أساسها تعليم وتدريب الأشخاص من أجل تزويدهم بالمعارف والمهارات الإدارية التي تمكنهم من الأداء بشكل أفضل. من ناحية أخرى فإن الإدارة فن وذلك عائد إلى أنه ليس بالضرورة أن نضمن وجود الإداري الناجح اعتماداً على تعليمه وتدريبه فقط. إذ لا بد أن تكون لدي هذا الشخص المهارات الخاصة التي تمكنه من توظيف ما تعلمه وتدرب عليه توظيفاً جيداً والاعتماد على مهاراته وقدراته الشخصية في أداء عمله الإداري. لذا يمكن القول بأن الإداري الناجح يحتاج إلى الجمع بين علمية الإدارة وفنها من أجل تحقيق إداري أفضل.