قيل لـ ” بيل جيت ” رئيس شركة مايكروسوفت ، أكبر شركة حاسب عالمية ، وأغنى رجل في العالم لماذا لا ترشح نفسك رئيساً للولايات المتحدة ؟ فقال : ( أجد نفسي تواقة للحاسب الآلي ولا أجدها تستسيغ السياسة ) مع العلم أن الصحافة الأمريكية تلك أيام قد بدأت حملة للمقارنة بين رئاسة ” كلنتون” لأمريكا آن ذاك وإمكانية رئاسة ” بيل جيت ” لأمريكا وتوقعات نجاحاً كبيرأً له. وما يعنينا في هذه القصة أن الناس اعتادت على إجراء المقارنة بين المدراء والرؤساء في العمل، وتزداد هذه المقارنات عندما يشغل الفرد المنصب نفسه أو يقوم بالدور أو المكان خلفاً لصاحبه، فتعقد تلك المقارنات في شتى المجالات التي ربما تجاوزت الحدود الموضوعية للحدود الشخصية والاجتماعية التفصيلية . فعندما يتغير الأشخاص نلجأ عادة إلى المقارنة ونضع الجديد في زاوية الاتـهام بأنه يسعى إلى نقض ما تم بناؤه في السابق، أو أنه يغير أسلوب المعاملة التي انتهجه سابقه. ولو عدنا إلى مثالنا الأول عن الشعب الأمريكي لوجدت الكثير منهم من يتحسر على كلنتون بعد ما رأى من بوش الأبن، وسيتحسرون على أوباما بعد أن يأتي بعده آخر وهكذا فالقديم نديم.
ولا أدري لماذا ننقاد إلى هذا النوع من التفكير المجحف أحياناً ونحن نعلم بوجود فوارق فردية بين الناس ووجود أنماط متنوعة في القيادة الفاعلة، وأساليب متعددة في الإدارة الناجحة. وكذلك وجود سمات شخصية لكل إنسان تحددها صفاته وطبيعته وتربيته وعلاقاته الاجتماعية . ويجب أن نعلم أيضاً أن لكل مرحلة ظروفها ، ولكل قضية أبعادها، ولكل موقف خصوصيته التي يتناسب معها نوع آخر من سياسات وأساليب وإجراءات . وإذا كانت الإدارة وسيلة ، فإن كل إنسان مكلف بمسئولية إدارية سيختار الوسيلة التي توصله إلى الهدف .
وكما نختلف في اختيار وسيلة النقل، والمطعم، والملبس فإننا كذلك نختلف في اختيار أسلوب العمل بل وفي اختيار المجموعة التي نعمل معها. فهناك من يجعل الأولوية بين عناصر بيئة العمل تقدم المفرد ثم المجتمع ثم المنظمة، وآخر يرى أن المجتمع أولاً ثم الفرد ثم المنظمة وثالث يرى المنظمة ثم الفرد فالمجتمع وهكذاحتى تتكون لنا مصفوفة من احتمالات التقديم والتأخير ربما أدت جميعاً إلى النجاح الباهر.
إن العبرة في المقارنة يجب أن تكون بين الخطة وما تضمنته من أهداف وبين المتحقق منها والنتائج التي توصل إليها ، أما الوسيلة المستخدمة والأسلوب فيبقى حسب طبيعة الإنسان وحسب قدراته وصفاته الشخصية التي لا يشاركه فيها أحد . ألم يقل المصطفى لأصحابه ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم كتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) بأبي أنت وأمي يا رسول الله عرفت كيف تصنف الرجال دون أن تغبطهم حقوقهم. فياليت قومي يعلمون.