جاءت موافقة مجلس الوزراء على إنشاء صندوق تنمية الموارد البشرية استجابة متسقة ومتوافقة مع النداءات المتتابعة والتوصيات العديدة التي أكدتها ودلت عليها الدراسات العلمية منذ زمن. فالتدريب خيار استراتيجي وأحد الحلول الأساسية لمشكلة إيجاد فرصاً أكبر للعمل واستقطاب العمالة الوطنية للالتحاق بالمجالات الفنية والمهنية. والإنسان هو أهم عنصر من عناصر الإنتاج والتنمية، فنمو الناتج القومي الإجمالي للدول وإن كان أمراً ضرورياً لتقدم البلدان وازدهار مستواها المعيشي إلا أنه ليس كافياً وحده لإحداث التنمية البشرية للمجتمعات. وهذا ما أدركته جيداً تلك الدول المتقدمة وهو ما دفع بدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخصيص ما يقارب 250 مليار دولار لتطوير الكفاءة الإدارية منها ما يقارب 70 مليار للتدريب في مواقع العمل.
ونحن اليوم إذ نستبشر بإنشاء هذا الصندوق نتطلع إلى وقفة تقويمية ونظرة شاملة للأدوار التي تضطلع بها المؤسسات المعنية بالتدريب في المملكة، وذلك سعياً لتحقق خطط التنمية البشرية أهدافها وتؤتي الجهود الجباره المبذولة في هذا المجال ثمارها وأكلها. ولعل من أولى المؤسسات التي يحسن النظر إلى برامجها ومخرجاتها التدريبية “معهد الإدارة العامة” ذلك الصرح الكبير الذي ساهم في فترة سابقة من الزمن بمساهمة فعالة في تنمية الوعي التنظيمي والإصلاح الإداري والسعي إلى تحقيق الكفاءة والجودة في المؤسسات العامة. وبالرغم من السنين الطويلة والدورات العديدة والاستشارات والبرامج الكثيرة التي قدمها المعهد إلا أن المخرجات الفعلية التطبيقية لتلك البرامج لم تنعكس على الواقع الإداري الملموس في ممارسات موظفي القطاع العام. وأخذت المفاهيم النظرية والاطروحات الإنشائية تغلب على معظم هذه البرامج المسماة تجاوزاً “دورات تدريبية” ولا يبعد الحال في هذه المؤسسة عنه في المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والتي يعبر أسمها الصريح عن أهدافها المطلوبة، إلا أنها سعت أيضاً إلى محاكاة الجامعات ومشابهتها في التوسع في الطرح النظري والتطلع إلى منح شهادات توازي الشهادة الجامعية. فأدّى السعي إلى الارتفاع بشهادة المهنة إلى التـّرفع عن المهنة ذاتها! كما أدى الإخلاص بالرقي والنمو والتطور إلى الخروج عن أهدافها الصريحة إلى مجالات التعليم العالي حتى أن مناهج الأقسام الإدارية على سبيل المثال أصبحت لا تختلف كثيراً عن مناهج إدارة الأعمال في الجامعات السعودية، بل حتى تأهيل الكوادر الوظيفية المبتعثة لا يعكس في كثير من الأحوال الخصوصية لهذه المؤسسات.
نحن ندرك منذ زمن بعيد أن هناك فجوة واضحة بين متطلبات سوق العمل والمخرجات التعليمية، وأن التعليم الأكاديمي يعتريه خلل واضح إذ لا يقدم سوى المعرفة العامة و التأهيل النظري للقوى العاملة و تبقى مسألة ملاءمتها لمتطلبات الوظيفة التطبيقية عبئاً على كاهل المؤسسة المعنية ذاتها ، أو المتخرج الذي ربما آل حاله إلى الانضمام إلى مجتمع العاطلين. فكان من أهم مبررات إنشاء التعليم الفني والتدريب المهني هو سد هذه الفجوة والمساهمة في توفير الروافد الوطنية التي يمكن أن يعتمد عليها في كافة مجالات العمل الفنية والمهنية. فحري أن يكون هذا المشروع –أي صندوق التنمية البشرية- أساساً لإعادة النظر في برامج مؤسسات التدريب والتعليم المهني لا مساراً جديداً للتعليم والتدريب مرة أخرى يضيف على الدولة ومنشآت القطاع الخاص أعباءً مالية وتنظيمية وزمنية يصعب جني ثمارها.
إن مراجعة الدور التدريبي لمؤسسات الدولة التي أنشئت لهذا الغرض ومدى تحقيقها لهذا الهدف أمر تقتضيه المرحلة الحالية ويعتبر من أساسيات التخطيط لتنمية بشرية مستقبلية تكفل لهذا الوطن استغلال موارده وطاقاته بكفاءة وفعالية، ولعل وجود المخلصين والمتخصصين في المجلس الاقتصادي الأعلى يجعلنا نتطلع إلى نظرة تنموية شاملة ومراجعة عامة لمدخلات التدريب ومخرجاته وللخطط المستقبلية والبرامج الممكنة لمساواة فرص التدريب للجنسين فيما يتناسب مع فرص العمل المطلوبة لكل منهما.
د. أحمد بن عبدالرحمن الشميمري
قسم إدارة الأعمال
جامعة الملك سعود – فرع القصيم
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]