عندما بدأت رسمياً خدمة الإنترنت في المملكة توقع المتحمسون لها أن الناس الذين طال انتظارهم ونفذ صبرهم سيتهافتون عليها و”يتسمّرون” أمامها، وسيكون إقبال المتعطشين لها إقبالاً كبيراً لن يقتصر على المهتمين والباحثين والمختصين فقط بل سيكون للمؤسسات التجارية والشركات العامة نصيب الأسد من هذا الطلب والإقبال والحماس والاستبشار ونتيجة لذلك فسينعكس ذلك الإقبال الكبير على حركة الأسواق والخدمات المساندة لخدمة الإنترنت وستشهد تلك الأسواق انتعاشاً اقتصادياً كبيراً وتطوراً مفيداً ونمواً مضطرداً. فسيزيد الطلب على أجهزة الكمبيوتر المتطورة وملحقاتها الحديثة، وستسعى الشركات والمؤسسات وكذلك الأفراد لتحديث أجهزتهم وبرامجهم لتسهيل عملية الاتصال بالشبكة، وستنتعش صناعة البرامج العربية المناسبة للإنترنت والمطبوعات المتعلقة بها، وستنمو المؤسسات المختصة في تصميم الصفحات وتلك المهتمة في قواعد البيانات والمعلومات والأدلة، وستجني شركة الاتصالات خاصة ثم وسطاء تقديم الخدمة الأرباح الطائلة من جراء استغلال جميع الأوقات المتاحة للاتصال بالداخل والخارج، كما ستزيد عمليات التبادل التجاري الداخلية والخارجية بين المؤسسات والشركات والأفراد وستظهر كثير من فرص الاستثمار وسيتوفر في السوق عدد من الوظائف الشاغرة. كل هذه الفرص الاستثمارية المجزية وغيرها مما لم يذكر أو مما قد فات وسبقنا إليه غيرنا من الدول المجاورة كان المتحمسون يحلمون بتحقيقه خلال سنة من بداية خدمة الإنترنت كما تحقق لغيرنا من الدول المتقدمة.
إلا أنه يجدر أن نتذكر أن هذه الإيجابيات الأنفة الذكر يتوقف تحقيقها على مدى استعدادات القطاعات العامة المتعلقة بتوفير البنية الأساسية لخدمة الإنترنت، والتي أهمها وأقربها علاقة بالإنترنت قطاعا الاتصالات والبريد. وإذا كنا نلمس تلك الجهود الدؤوبة لتوفير الخدمات الأساسية من قبل الاتصالات مثل زيادة التغطية لمقسمات القادرة على تقديم الخدمة وكذلك السعي لتوفير عدد أكبر من خدمة الهاتف للعملاء في مناطق المملكة المختلفة، وتحديث أجهزتها الاستقبالية لنقل المعلومات وإجراء الاتصالات بصورة أكثر سرعة وفعالية وكفاءة، وكل ذلك بلا شك سيساهم في تحقيق تلك الإيجابيات الاقتصادية المرجوة، إلا أننا لا نزال نرى أن الخدمات البريدية لم تحقق الآمال الطموحة بعد.
فالخدمات البريدية تحمل على كاهلها مسئوليات جسام لتطوير خدمة الإنترنت والاستفادة منه اقتصادياً. فالبريد رغم تطور وسائل الاتصال يظل هو العمود الفقري المكمل والمتمم لعملية الاتصال في أغلب التبادلات التجارية والاتصالات الشخصية، وستواجه الشركات عائقاً كبيراً في إتمام صفقاتها وتقديم خدماتها واتصالها بالعملاء والمنشآت محلياً وخارجياً بعدم وجود نظام بريدي فعال يمكن أن يلبي حاجات المستخدمين، ويشهد لذلك أحد الدراسات الحديثة التي أجريت على عينة من 300 منشأة في مدينة الرياض وأظهرت أن 63% من المنشآت ترى أن العائق الأكبر في عدم تبنيها للأساليب المباشرة في الاتصال والتسويق هو عدم كفاءة الخدمة البريدية. كما أوضحت الدراسة أن عدم نمو وتقدم أساليب التسويق المباشر في المملكة هو بسبب عدم ثقة العملاء باستخدام البريد كوسيلة للاتصال والبيع.
وعندما نعود إلى خدمة الإنترنت التي نتطلع إلى مساهمتها في دفع عجلة التنمية والنمو الاقتصادي فإن البريد يحمل على كاهله مسؤولية كبيرة تجاهها لتفادي خسارتين محتملتين. الأولى تتعلق بالبريد نفسه، حيث أن زيادة التعاملات التجارية في الإنترنت سوف يزيد من فرص الاعتماد على البريد لإتمام الاتصالات والعروض والصفقات، وهذا بالتالي سوف يخلق طلباُ كبيراً على خدمة البريد الذي إن لم يكن على المستوى الذي يأمله المستخدمون فإنهم سيتوجهون إلى البدائل الأخرى التي ستجني تلك الفرص الاستثمارية النامية، وما ظهور الشركات العالمية لخدمات التوصيل السريع مثل UPS و Federal Express و DHL و TNT إلا مؤشر على توفر فرص الاستثمار المجدية في هذا المجال.
أما الخسارة الثانية فتتمثل في إعاقة نمو وازدهار المبادلات والاتصالات التجارية، والتي تحمل في طياتها كثير من الفرص الاستثمارية التي ربما كان العائق أمامها وجود وسيلة فعالة وسريعة ودقيقة لحمل مافيها من خيرات.
بقي أن نقرر أن النظرة التفاؤلية في تحسن أداء الخدمات البريدية لا تزال عالقة في أذهان المستخدمين. ويزيد ذلك التفاؤل ما يلمسه أولئك المستخدمون من حرص واهتمام على تحسين الخدمة والعمل على تطوير أجهزتها المادية ومواردها البشرية. وسيزيد أيضاً هذا التفاؤل عندما نرى القطاع العام المشرف على هذه الخدمة يرتكز في منطلقاته الإستراتيجية التطويرية على التوسع الرأسي المتمثل في التركيز على تقديم الخدمة الأساسية وتحسين بنيتها التحتية وكفأتها البشرية لتلحق بركب التنمية وتضطلع بدورها الريادي المأمول في المساهمة في بناء وتقدم البلاد.
د. أحمد عبد الرحمن الشميمري
جامعة الملك سعود – فرع القصيم
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]