بتمويل من صندوق التعليم العالي الجديد : إنشاء جامعتين في المدينة والقصيم | The establishment of two universities in Madina & Qaseem

بتمويل من صندوق التعليم العالي الجديد : إنشاء جامعتين في المدينة والقصيم | The establishment of two universities in Madina & Qaseem

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

أشار قرار مجلس الوزراء القاضي بإنشاء صندوق التعليم العالي وإعادة تنظيم مكافآت طلاب الجامعات إلى مجالين واسعين لصرف موارد هذا الصندوق هما دعم البحث العلمي، وتعزيز مشاريع التوسعة في الجامعات.  يدعو الدكتور أحمد بن عبدالرحمن الشميمري أستاذ إدارة الأعمال المساعد في جامعة الملك سعود – فرع القصيم إلى التوسع الرأسي للجامعات ويحذر من الاستمرار في التوسع الأفقي الذي أدى الى ازدواجية وهدر اقتصادي ينبغي الحد منه.

 

أكد قرار مجلس الوزراء القاضي بإنشاء صندوق التعليم العالي وإعادة تنظيم مكافآت طلاب الجامعات اهتمام الدولة الكبير في التوسع بالتعليم العالي وزيادة كفاءته ومواجهة التزايد المضطرد على الجامعات من قبل الطلاب والطالبات والذي أصبح استيعابهم وإفساح المجال لهم لمواصلة تعليمهم تحدياً حاضراً وتهديداً كبيراً في المستقبل في ظل الإمكانات الحالية المتاحة والتدبيرات العلاجية المتباطئة. وقد كان قرار إنشاء صندوق التعليم العالي صائباً لما له من الإيجابيات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية المتعددة.

وفي إشارة لحجم المكافآت المخصصة لطلاب وطالبات الجامعات ذكرت “الاقتصادية” بأنها تبلغ حوالي 1.5 مليار ريال وأنه من المتوقع أن يتوفر نصفها سنوياً، وإن كان هذا النصف من المتوقع أن يتضاءل شيئاً فشيئاً نظراً لبروز عدة عوامل مؤثرة منها زيادة كفاءة الطلبة، وقلة الحذف والاعتذار، وزيادة التسرب الطلابي، وضبط العدد الفعلي للطلاب المنتظمين في الجامعات، والإقبال على الفصل الصيفي سنوياً.إلا أنه بالرغم من ذلك سوف يتوفر في الصندوق مبالغ ضخمة كفيلة بدعم العملية التعليمية في الجامعات ورفع الكفاءة والإنتاجية للجيل القادم. وقد أوضح قرار مجلس الوزراء أن المجالين الأساسين للصرف من هذا الصندوق هما دعم الدراسات والبحث العلمي، ومشاريع التوسعة في الجامعات، ولعمومية المجال الثاني فإنه من المتوقع أن يكون مادة للنقاش وموضوعاً للحوار بين الجامعات وبين المهتمين في حقل التعليم العالي، ويخشى أن يؤدي ذلك إلى تسابق الجامعات للتوسع الأفقي استغلالاً لهذا الصندوق وسعياً للاستفادة منه، لذا فإن التوقف عند الحالة الراهنة للتوسع الأفقي وتقييم التجارب السابقة قبل الشروع في توسعات جديدة للجامعات أصبح ضرورة تمليها المتغيرات المتسارعة لسوق العمل الحالي والمستقبلي.

 

فإذا نظرنا إلى الوضع الراهن للتوسع التاريخي للجامعات السعودية نجد أن في المملكة ثمان جامعات هي: جامعة الملك سعود ومقرها الرئيسي بالرياض، وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وجامعة الملك فهد بالظهران، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، والجامعة الإسلامية بالمدينة، وجامعة الملك فيصل بالهفوف بمحافظة الأحساء، وجامعة أم القرى بمكة، وجامعة الملك خالد بأبها. ولكل جامعة من هذه الجامعات فروع أو كليات تشرف عليها، ما عدا الجامعة الإسلامية لخصوصيتها وجامعة الملك خالد لحداثتها. فجامعة الملك سعود لها فرع في القصيم يشمل أربع كليات، وجامعة الملك عبدالعزيز لها فرع في المدينة، وجامعة الملك فيصل لها فرع في الدمام، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لها فروع في المدينة والقصيم والأحساء. هذا بالإضافة إلى إشراف جامعة الملك فهد على كلية المجتمع في حائل.

 

وهذا التوسع الأفقي في المدينة نفسها كان مبرره إيجاد تخصصات تكاملية وتعددية قد تعجز عن طرحها الجامعات الأخرى، ونظراً لسهولة الإجراءات الرسمية لفتح فرع مقارنة بإنشاء جامعة فقد توسعت الجامعات في إنشاء الفروع مما أدى – بسبب غياب التنسيق – إلى تركز الفروع في مدن معينة عن غيرها من مدن المملكة الأخرى، ووجود ازدواجية في بعض التخصصات، وتنافس لا يخدم الخطط التنموية وحاجة السوق المستقبلية.

 

فعلى سبيل المثال يوجد في المدينة المنورة ثلاث جامعات هي الجامعة الإسلامية وفرع جامعة الملك عبدالعزيز، وفرع جامعة الإمام محمد بن سعود. وقد نتج عن توسع هذه الفروع ازدواجية وتكرار لعدد من التخصصات التي لا تحتاج إليها خطط التنمية فضلاً عن آثار الازدواجية السلبية لتلك التخصصات. ففرع جامعة الملك عبدالعزيز عبر كلية التربية يطرح تخصصات اللغة العربية، والدراسات الإسلامية، وكذلك الحال بالنسبة للجامعة الإسلامية التي تطرح كليتي الشريعة، واللغة العربية. وإذا نظرنا إلى فرع جامعة الإمام محمد بن سعود في نفس المدينة نجده يطرح تخصص الدعوة المناظر في نفس الوقت لقسم الدعوة في الجامعة الإسلامية.

 

أما في القصيم فتبرز جوانب الازدواجية في تخصصات العلوم الإدارية التي تضيف بالأصل عبئاً كبيراً على سوق العمل ففرع جامعة الإمام محمد بن سعود في القصيم يطرح ثلاث تخصصات هي الاقتصاد التابع لكلية الشريعة وأصول الدين، وإدارة الأعمال والمحاسبة التابعة لكلية العلوم العربية والاجتماعية وهي نفس التخصصات التي تطرحها كلية الاقتصاد والإدارة بفرع جامعة الملك سعود في القصيم، فالكلية تطرح تخصصات إدارة الأعمال، والمحاسبة، والاقتصاد، إضافة إلى تخصص الأساليب الكمية.

 

أما في منطقة الأحساء فتـظهر الازدواجية بجلاء بين جامعتين في منطقة واحدة لا تحتمل ولا تحتاج مثل هذه التعددية. فجامعة الملك فيصل عبر كلية التربية وكلية العلوم الإدارية والتخطيط تقدم تخصصات الدراسات الإسلامية واللغة العربية، وتخصصات إدارة الأعمال والمحاسبة والاقتصاد، وهذه التخصصات نفسها تقريباً يطرحها فرع جامعة الإمام محمد بن سعود وهي الشريعة واللغة العربية والمحاسبة وإدارة الأعمال، والاقتصاد.

وهذه الازدواجية تعد هدراً اقتصادياً وعبئاً تعليمياً، وإضافة لسوق العمل غير مخططة أو مسوغة، وهو ما يخشى أن يستمر عليه الحال بعد إنشاء صندوق التعليم العالي الداعم لتوسعة الجامعات وفق قرار مجلس الوزراء.

 

وفي ظني أن التوسع المطلوب ينبغي أن يكون من قبل الجامعات القائمة رأسيا يشمل كثيراً من المجالات المتعددة والتي منها

  1. فتح تخصصات أكاديمية جديدة ودعم الأهم منها، فالمتغيرات الدولية القادمة تقتضي إحداث تخصصات فرعية جديدة تتواكب مع التغير الكبير وتتجاوب مع متطلبات المستقبل. ومن ذلك الالتفات إلى التخصصات الحيوية الحالية التي تحتاجها التنمية وتطويرها ودعمها بالوسائل والأجهزة الحديثة، والكفاءات البشرية اللازمة.
  2.  دعم الكليات والأقسام بالكفاءات البشرية المميزة، ففي السابق كانت المملكة مليئة بالعلماء من العالم العربي في شتى التخصصات، أما الآن فإن الجامعات تستخسر دفع مخصصات منافسة لاستقطاب العلماء المميزين، بل بدأت منذ زمن تعاني من تسرب كفاءاتها الوطنية المميزة التي لم تجد التحفيز الكافي للإبداع، وافتقدت الجامعات ذلك التميز العلمي السابق وأضحت العملية التعليمية واجب رويتني متكرر.
  3. التوسع في برامج الدراسات العليا، وما يتطلب ذلك من توفير الإمكانات المادية والبشرية لهذا التوسع، فالسير الطبيعي للجامعات العريقة في المملكة أن تكون قد بلغت حداً كبيراً من النضج العلمي، والكادر الأكاديمي بما يؤهلها لتقديم برامج عليا في تخصصات عديدة. ولعل مما يعيق النمو في ذلك تسرب وهجرة الأدمغة الوطنية المميزة من الجامعات، لما تواجهه من قلة الدعم والحوافز والتسهيلات.
  4. دعم خطط وبرامج تغيير المناهج الدراسية في الجامعات، فمناهج أكثر الكليات قد عفا عليها الدهر أسلوباً في التدريس ومحتوى علمي، وأصبح تغييرها حاجة ملحة للتجاوب مع متطلبات العصر. ولا تزال الجامعات مترددة وتسير برامجها التطويرية ببطء شديد نظراً لطول الإجراءات وعدم حوافز للقائمين بهذه العلمية. ومن ذلك التطوير تغيير المقررات والكتب، وتبني مشاريع تأليف الكتب الجامعية الحديثة والمتمشية مع التسارع الكبير في العلوم والتقنية
  5. دعم مراكز المعلومات والمكتبات بالمطبوعات والدوريات والإصدارات كي تكون معينة لنمو الفكر ومكملة للدور التعليمي والنهج التربوي في البحث عن المعلومة وتقصيها. والرائي لمكتبات الجامعات يرى بوضوح قلة الإمكانات وندرة المعلومات الحديثة، وتكاد تكون في كثير التصنيفات والأقسام كتب مكررة تجدها في كل جامعة.
  6.  دعم عمليات التدريب التعاوني، وتحفيز وتشجيع أعضاء هيئة التدريس والطلاب على الإبداع والابتكار، وذلك حتى لا يقتصر التوسع على الكم الطلابي بل يركز ويهتم بالكيف الذي سوف يعد طالباً منتجاً ومؤهلاً ومعيناً على المساهمة في بناء الوطن لا عبئاً عليه.
  7. دعم برامج خدمة المجتمع والتعاون مع القطاع الخاص، والمبادرة في المشاركة في التوجيه والارشاد الوظيفي والتنسيق مع القطاع الخاص فيما يخص التدريب والتوظيف والتوعية بحاجة التنمية للتخصصات والمجالات المطلوبة.

أما التوسع الأفقي فلم يعد مبرراً للجامعات القائمة، ومن الأجدى التفكير بالاستعاضة عنه وتقليصه بدمج الكليات والفروع إلى الجامعات المتوفرة في نفس المدينة، أو بإنشاء جامعات وكليات جديدة تحقق التكامل التعليمي وتدعم التنمية البشرية المخططة وفق حاجة البلاد. ويكون دعم هذه المشاريع التصحيحية من هذا الصندوق. وهذا التوجه الاستراتيجي يحقق عدة إيجابيات أبرزها ما يلي :

  1. إن التوسع في إنشاء الفروع قد كان له ما يبرره سابقاً حين كانت تفتقر هذه المدن إلى الكفاءات الوطنية التي يمكن أن تشرف وتدير هذه الفروع كجامعات مستقلة. أما الآن فكل هذه المدن وغيرها من مدن المملكة تزخر بالكفاءات القادرة على إدارة هذه الجامعات.
  2. كلما زادت الجامعات من توسعها الأفقي زاد ترهلها الإداري وقلت قدرتها على الرقابة والإشراف والمتابعة والتخطيط التنموي والتطويري، وهذا الداء قد استشرى في كثير من الخدمات التعليمية، وقد آن الأوان للتخلص من هذه المركزية سواءً في التعليم العالي أو التعليم العام حتى يمكن لهذه القطاعات الحيوية القيام بمهامها بمرونة وحرية تكفل لها النجاح والاستمرار والنمو والتنافس محلياً وإقليمياً.
  3. لقد أصبحت بعض هذه الفروع من الضخامة والكبر بمكان بحيث تضاهي في عدد كلياتها وطلابها وطالبتها كثيراً من الجامعات في الدول المتقدمة، فعلى سبيل المثال يوجد في القصيم ستة كليات أربع منها تابعة لجامعة الملك سعود وكليتان تابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يزيد عدد طلابها بتقديرات متحفظة جداً عن 10000 طالباً وطالبة ويفوق عدد أعضاء هيئة التدريس السعوديين فيها عن 250 عضواً من حملة الماجستير والدكتوراه.
  4. إن استقلالية هذه الفروع في جامعة مستقلة يوجد التكامل ويقضي على الازدواجية ويحقق الوفورات الاقتصادية بتقسيم الموارد والخدمات الطلابية، والوظائف الإدارية. كما يجعل هذه الجامعات الوليدة تراعي حاجة المنطقة أولاً، وإمكانية طرح تخصص يتميز بميزة تنافسية وتخصصية تناسب المدينة أو المنطقة بحيث يمكن أن يجعلها تبرز وتبدع فيه وتساهم في سد حاجة الوطن.
  5. تعاني هذه الفروع الحالية الآن وبدون استثناء من قلة الإمكانات والمخصصات، وزيادة تسرب الكفاءات مقارنة بالمقر الرئيس لجامعاتها. وتأتي في الغالب أهمية الالتفات لتطوير ودعم هذه الفروع في أدنى سلم الأولويات، فضلاً عن مركزية القرارات في كثير من القضايا الروتينية المعيقة للتحسين والتقدم.
  6. إن إقامة جامعات في غير المدن الرئيسة يحقق التوازن في التوزيع الجغرافي السكاني ويساعد على قيام المدن والتوطين السكاني وإيقاف الهجرة من المدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة، ويحقق المساواة في فرص التعليم بين المناطق. كما يقلل الفجوة في الوعي والنضج الحضاري ومستوى التعليم بين المناطق. أما الاستمرار في تركز المشاريع الحيوية في المدن الكبرى وحدها فسينتج آثاراً اقتصادية واجتماعية وأمنية سلبية عديدة.

وختاماً فإن تمويل مشاريع التوسع في الجامعات من المناسب أن يكون توسعاً رأسياً أما التوسع الأفقي فنأمل أن يترجم بإنشاء جامعات جديدة تبرز الحاجة الراهنة إلى وجودها خاصة في القصيم والمدينة المنورة. وهذا التوجه قد بدأ بالمملكة بتجارب ناجحة عندما نشأت جامعة أم القرى ثم جامعة الملك خالد. ونحن في انتظار التوسع المدروس بإنشاء هاتين الجامعتين المؤهلتين تعليمياً وإدارياً وفنياً. إضافة إلى دعم مشاريع إنشاء جامعات وكليات أخرى من خلال هذا الصندوق سواءً كانت حكومية أو أهلية بقروض ميسرة في مدن المملكة الأخرى المؤهلة كالطائف، وحائل، وتبوك، والجوف.

 

التخصصات المزدوجة في المدينة الواحدة من قبل فروع الجامعات

الجامعة المدينة المنورة القصيم الأحساء
جامعة الملك سعود إدارة أعمال

محاسبة

اقتصاد

جامعة الملك عبدالعزيز دراسات إسلامية

لغة عربية

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية دعوة إدارة أعمال

محاسبة

اقتصاد

شريعة

لغة عربية

إدارة أعمال

محاسبة

اقتصاد

الجامعة الإسلامية شريعة

لغة عربية

دعوة

جامعة الملك فيصل دراسات إسلامية

لغة عربية

إدارة أعمال

محاسبة

اقتصاد

 

عدد الجامعات في دول عالمية مختارة

الدولة عدد الجامعات
السعودية 8
الإمارات 11
مصر 16
الأردن 22
إيران 21*
اليابان 61*
ألمانيا 64*
فرنسا 52*
بريطانيا 98*

المرجع : The World of Learning, 36th Edition, 1996

* عدد الجامعات الحكومية فقط

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما هي الحال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]