إن مفهوم “الابتكار المفتوح” (Open Innovation) الذي قدمه هنري تشيسبرو (2005)، وأكد فيه على استخدام الموارد الخارجية والداخلية للابتكار أصبح الآن مفهومًا ذا أهمية كبيرة في إستراتيجيات الابتكار بالنسبة للشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء. كما أنه موضوع متنامي في الخدمات التي تقدمها الواحات العلمية والتقنية.
إن تنمية عالم الواحات العلمية والتقنية يتمحور حول مفهوم مجالات الابتكار. فمن أجل تعزيز الابتكار يتم توسيع نطاق الواحات العلمية والتقنية، لتتواصل بالمناطق المختلفة داخل المدن أو خارج المناطق الحضرية. فتوفر الواحات شبكة اتصالات، ومراكز للأعمال التجارية الابتكارية، ومعاهد جامعية ترتكز على الأعمال التجارية، وغيرها من الجهات الفاعلة في مجال الابتكار يتم ربطهم معًا لتجميع إمكاناتهم داخل نموذج مركّز، وجعله متاحًا عبر المنطقة الجغرافية الممتدة.
ومن أمثلة الواحات التي نجحت في ذلك وادي ميديكون، الذي يجمع بين كوبنهاجن الكبرى ومنطقة سكين في جنوب السويد. إذ ترتبط هذه المناطق بعضها ببعض عن طريق جسر أوريسند. وقد تم إنشاء تحالف وادي ميديكون لتعزيز المنطقة ومواردها، ولدمج جميع الجهات ذات الصلة لدعم النشاط التجاري المتزايد في علوم الحياة. وكان المبادرون بوادي ميديكون فالي من الجامعات في لوند وكوبنهاجن من جهة، ومن جهة أخرى هناك دعم قوي من شركات الأدوية الكبرى في المنطقة مثل؛ نوفو نورديسك، لوندبيك وأسترا- زينيكا. وتمتد عضويات هذا التحالف اليوم ليصل إلى حوالي 300 منظمة، تشمل على: كليات الجامعة ذات الصلة، والجهات الإقليمية (التي تدير المستشفيات)، والحكومة المحلية، وشركات التقنية الحيوية، وشركات الأدوية، وشركات التقنية الطبية، والمنظمات البحثية التعاقدية، والواحات العلمية، والمستثمرين، ومقدمي خدمات الأعمال التجارية ذات الصلة. وقد تم تضمين سبعًا من الواحات العلمية والتقنية داخل هذا التحالف. ويعتبر وادي ميديكون واحدًا من أقوى المواقع لشركات علوم الحياة في أوروبا.
وتسمى هذه المناطق الداعمة للابتكار عدة أسماء، منها المدن الذكية، والمعامل الحضرية، والمعامل الحياتية، بالإضافة إلى مناطق الابتكار. وكان وراء انتشار هذه المناطق الحضرية للابتكار أفكار وأطروحات عدد من المفكرين والباحثين، أمثال ريتشارد فلوريدا (2003)، وإدوارد جلاسر (2011) وأنطوني تاونسيند (2005).
وبشكل عام، فإن هذه المجالات الابتكارية المحددة تحاول أن توجد البيئة التي يمكن أن يتم فيها إنشاء المنتجات التقنية الجديدة بجميع جوانبها، والخدمات الابتكارية من خلال مفهوم البحث والتطوير والعرض العملي والتسويق المبكر داخل المنطقة وربط الكل معًا من خلال تشغيل شبكات الاتصال للمهنيين، الذين يشاركون في وسائل الإعلام الاجتماعية والبوابات المعرفية والمنتديات. وإنشاء مثل هذه المناطق الداعمة لمنظومة الابتكار يمكن أن تشمل على:
- إنشاء الجامعات وكذلك معاهد البحث والتطوير، التي تهتم بالأعمال التجارية. ثم يتم في النهاية الربط بين الجامعات والجهات التعاونية التي تم إنشاؤها.
- إنشاء البرامج التأهيلية لجذب المواهب والشركات الكبرى ومصادر التمويل لدعم الابتكار.
- إنشاء أنواع مختلفة من المرافق مثل (المعامل، الحاضنات، المكاتب، ورش العمل، المعدات المتخصصة لاستخدامها من قبل المنظمات المتعددة ومجالات التعاون الأخرى).
- توفير بيئة ممتازة للاستضافة والعيش.
ولقد حدد تقرير مشروع علاقة الاتحاد الأوروبي بالإستراتيجية الصناعية للاتحاد الأوروبي عام 2012 خمسة عوامل، يمكن أن تشكل على نحو أفضل النظم البيئي الابتكاري، لتطوير ممارسات (الابتكار المفتوح). ومن بين هذه العوامل الخمسة هناك ثلاثة تتعلق بدور الواحات العلمية والتقنية، وهي:
- التواصل الإلكتروني، والاشتراك بشبكات التواصل المصممة للعثور على الشركاء المناسبين للابتكار والتواصل معهم.
- استقطاب رأس المال البشري ورواد الأعمال، الذين يتمتعون بمهارات عالية المستوى في مجالات الابتكار والإدارة المعرفية، وإدارة التعاون عبر القطاعات المختلفة، ومهارات التمويل ومهارات التواصل عبر السلسلة القيمة للابتكار.
- الحصول على التمويل من خلال رأس المال الجريء.
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected] [email protected]