الجامعة المنتجة | Productive University

الجامعة المنتجة | Productive University

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

Prof. Ahmed Alshumaimri

أ.د. أحمد الشميمري

الأسرة – عدد 71- 1420- 2000

 

أفاد المرسوم الملكي الذي حدد التشكيل الوزاري الجديد إعطاء صلاحيات موسعة للجامعات بحيث يضطلع مجلس الجامعة ومديرها بصلاحيات أكبر مما عليه الحال الآن. و بقدر استبشارنا بهذا التطور الايجابي الملح في هذا العصر المتسارع في التغير ندرك أن على الجامعات الآن المضي قدماً نحو التخلص من البيروقراطية الموغلة في التعطيل والتأخير، والروتين المضيع للمصالح والمنافع والفرص. والتعامل مع واقع يتطلب سرعة إتخاذ القرار ولامركزية السلطة وتوسع الصلاحيات.

ربما كان للفترة السابقة من عمر الوطن وما مر به من تحولات وتغيرات وتحديات وأزمات ما يبرر المركزية في التنظيم. اما وقد تشكلت كثير من معالم الأجهزة الحكومية إلى الحد الذي اتخذت فيه الأشكال الطبيعية الناضجة لهياكل الوزارات كما هو الحال في الدول المتقدمة، فإن الأنظمة والإجراءات يجب أن تتجاوب بنفس التسارع والنضج. بل أن التطوير السياسي والإجتماعي والثقافي والممارسة الشعبية لإتخاذ القرار والتمثيل والإختيار والإنتخاب والتجمع المهني ينبغي أن يتطور وينتظم من خلال الجامعات. وكلما اختل التوازن بين الدور الطبيعي المناط بالجامعات وبين الأنظمة المقيدة لها أختل دورها الأساس في تنمية المجتمع ومؤسساته وثقافته الشاملة.

والجامعات في السعودية هي المصدر الاساس للقدرات البشرية والكفاءات القيادية لمؤسسات هذه البلاد وأجهزته،  والنظر إلى هذه الجامعات والتشريع لأنظمتها ينبغي أن يكون اكثر مرونة وأوسع شمولاً ليتناسب مع مكانة العلماء  والمتخصصين و قادة الرأي في المجتمع.

ولو أردنا أن نذكر بعض الشواهد التي تقيد صلاحيات الجامعة لكانت مثار التندر والفكاهة ، فلك أن تتصور أن قراراً متكرراً وطبيغياً يتناسب مع طبيعة المهمة الجامعية يجب أن لا تتجاوز صلاحيات إنفاذه الأقسام المعنية في المستوى الأدنى للسلم الإداري الجامعي، تجده يمر عبر مجالس ومسئولين ومواضع من التوقيعات والإمضاءات، وصفحات من الجلسات والمحاضر ليصل إلى قمة الهرم الإداري في الدولة. وهكذا يتم إهدار الجهد والوقت، وإشغال القيادات بالفصيلات الفرعية والقرارات الروتينية الصارفة عما هو أولى وأهم.

واليوم وبعد أن أتاح البيان التشكيلي الجديد للجامعات صلاحيات أوسع وأشمل ينتظر من الجامعات النظر إلى دورها بطريقة مختلفة ومراجعة هياكلها التنظيمية برؤية أشمل وأوسع. هذه الرؤية تنطلق من مفهوم أن الجامعة “مقدم خدمة يسعى إلى تلبية إحتياج الزبون (المجتمع)”

إن التعليم الجامعي في المملكة العربية السعودية يعتبر نظاماً متكاملاً مع التوجهات التنموية والتخطيط المستقبلي للأجهزة  الدولة، وقد تجاوز التعليم تلك المرحلة التي تتخذ من العلم سبيلاً للفكر والثقافة والمعرفة بعيداً عن المتغيرات البيئية المحيطة والمتطلبات الاجتماعية المتجددة إلى مرحلة تجعل من خدمة المجتمع والمساهمة في متطلبات التنمية هدفاً أساسيا تسعى إلى تحقيقه. كما أن توجه الدولة في إسناد دور أكبر للقطاع الخاص للمساهمة في الاقتصاد الوطني يجعل من الضروري أن تراعي الجامعات مسألة الموائمة بين متطلبات المجتمع وما تقدمه من خدمات تعليمية مختلفة.

ويبرز من جديد مفهوم الجامعة المنتجة الذي دعا إليه وزير التعليم العالي في محاضرته بمناسبة المئوية. وأكد على الدور المنتج للجامعات. إذا أن الجامعات كلها الآن لم تستطع أن توازن بين إيراداتها ومصروفاتها التشغيلية السنوية المتزايدة، بالرغم مم تملكه من بنى أساسية قوية وإمكانا ت بشرية مؤهلة، وتجهيزات تقنية عالية، وخبرات وعقول رائدة في شتى المجالات.

وهي تستطيع أن توجد شراكة حقيقية مع المجتمع ومؤسساته تعتمد على تقديم الخدمة وفق ما يحتاجه الزبون. وتستطيع تنمية الإستثمار بطرق شتى لا حصر لها. فهي تستطيع أن تستثمر عن طريق توسيع برامج التعليم المستمر، وتستثمر في فتح المجال للطلاب غير السعوديين للدراسة بمقابل، وإقامة المشاريع في مواقعها المناسبة تجارياُ، وتقديم الخدمات العلمية والدراسات للجهات الحكومية والخاصة، وتقديم البرامج التدريبية العامة، والرعاية لحفلات الجامعة ومناسباتها، وفتح مجال المنح والكراسي العلمية للتجار والمتبرعين من أبناء الوطن. ليس ذلك فحسب بل حينما يشعر الزبون ( المجتمع ) بهذه الشراكة ويتلمسها، فللجامعة أن تتوقع مصادر ثرية أخرى كالهبات والأوقاف والتبرعات خاصة عندما ُتفعل الجامعة مشروع أندية الخريجين ذلك المشروع الرائد والرافد للجامعات في الغرب المتقدم. فمن خلال هذه الأندية وحملات جمع التبرعات استطاعت جامعة واحدة مثل جامعة هارفرد جمع حوالي 400 مليون دولار في عام واحد، كان نصيب كلية إدارة الأعمال وحدها من الهبات حوالي 30 مليون دولار. وبلغت أوقاف هذه الجامعة أكثر من 6 مليار دولار. وليست هي الوحيدة التي تنهال عليها الأموال بل هذه هي الحال في جميع الجامعات في أمريكا والبلدان المتقدمة.

وأخيراً إن التوجه نحو الجامعة المنتجة لا يحتاج إلى صلاحيات جديدة فكل ماذكر هو مندرج تحت ما يحق للجامعة ممارسته منذ سبعة أعوام. لكن نجاحه في بيئة متغيرة لن يتم مالم تنشء الجامعات إدارات ووحدات خاصة لتنمية الإستثمار وإدارة الأملاك تدار بطريقة تجارية مخططة.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب وقد أبى الله أن يكمل كتاب إلا كتابه. فما ذكر من رأي قد يناسب الزمان والمكان والظرف الذي قد كتب حينه ولا يتناسب مع المستقبل أو ربما عبر عن نفس الحال كما يدور الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ الإدارة والتسويق، جامعة الملك سعود،الرياض   [email protected] [email protected]