تعد البنوك بصفة عامة من المؤسسات الأساسية للحياة الاقتصادية في أي مجتمع، حيث تتجمع لديها الودائع والمدخرات ومنها تتدفق في شكل قروض واعتمادات للقطاعات المختلفة مما يؤدي إلى تحقيق التقدم والتنمية الاقتصادية .
كما أنها الإطار الذي تنساب من خلاله تدفقات الأموال المحلية والأجنبية بصورها المختلفة ، ولها أيضاً تأثير متعدد الأبعاد على هيكل الاستثمار والتمويل واستقرار الأوضاع المالية والنقدية في الاقتصاد القومي.
وفي الغرب المتقدم ظهر منذ التسعينات الميلادية ما يسمى بالبنوك الشاملة. تلك البنوك التجارية الجامعة التي تقوم بالإضافة إلى الأنشطة التقليدية كالوساطة المالية ومنح الائتمان بخدمات عدة تنبع من تحملها المسئولية الاجتماعية في بناء المجتمع والمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني بمفهومه الشامل المتوازن. من ذلك تبنيها للمشروعات الاستثمارية في مختلف القطاعات ودعمها ماليا وإداريا مع ما يستلزمه ذلك من توفير التمويل اللازم لها ( اقراض ، مساهمة ، ترويج سندات ) أو ضمانها لدى الغير أو توفير القروض المسوقة طويلة الأجل وكذلك القيام بدراسات الجدوى للمشروعات الناشئة والترويج لها ومتابعتها وعلاج مشكلاتها، هذا فضلا عن العديد من الخدمات المتنوعة والجديدة في مختلف المجالات.
وتقوم البنوك التجارية هناك بترويج الفرص الاستثمارية الجديدة والإسهام فيها وذلك من خلال إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية المالية للفرص الاستثمارية التي تنكشف أمامها وأيضا الإعلان وبشكل منظم عن الفرص الاستثمارية ذات الجدوى وتسويقها لغرض تشجيع المستثمرين من الأفراد والشركات والمؤسسات للإقبال عليها وتنفيذها. هذا بالإضافة إلى المساهمة الجادة في خلق المناخ الاستثماري الملائم للنشاط الاقتصادي في البلاد. وهناك تقوم البنوك بدعم المؤسسات التعليمية وتقديم المنح وإجراء الدراسات وتمويلها. وتمويل الأبحاث الخاصة بالبيئة وتبني البرامج التوعوية، وإذكاء روح المبادرة، وتشجيع المبتكرين والمخترعين والمواهب الواعدة.
وعند المقارنة بما تقدمه البنوك لدينا نجد البون الشاسع بين ما يجب أن تضطلع به من مسئوليات وبين ما تقدمه من خدمات. فالإحصاءات الحديثة تبين أن مجموع الودائع لدى البنوك السعودية تقدر بحوالي ترليون ريال عام 2012. وأن موجودات الحسابات الجارية تزيد عن 700 بليون ريال. والودائع المستثمرة من قبل البنوك حوالي 300 بليون ريال! فلنا أن نتخيل كما يمكن أن تساهم هذه الأموال في بناء الوطن ودعم اقتصاده وفتح مجالات الاستثمار وتوطين الرساميل المهاجرة والقضاء على التحديات الاقتصادية المتنامية كالبطالة والفقر.
إن هذه الأرقام الفلكية المكتنزة لدى البنوك والتي يشك الفرد في وفائها بحق المال الشرعي لله وللعباد، يتطلب وقفة جادة من واضعي السياسات المالية في هذه البلاد ودراسة عاجلة ربما تكون أعجل من دراسة الفقر والبطالة.
وأخيراً إننا اليوم في حاجة إلى القيام بإصلاحات تشريعية تعمل على استكمال الأجهزة المؤسسية للسوق. وإيجاد مرونة أكبر للبنوك في الاستثمار وتنوع الخدمات وشموليتها. فما نلوم به البنوك من قصور في مساهمتها المتوازنة في تنمية البلاد لا يمكن أن يتحقق في ظل التشريعات الحالية والأنظمة والاحترازية المتشددة التي يضعها البنك المركزي الوزارة المعنية. كما أننا في حاجة ماسة إلى تبني استراتيجية مصرفية شاملة تعمل قدر الإمكان على تعظيم المكاسب الاجتماعية والاقتصادية. وما لا يدرك جله لا يترك كله!
هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه، وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.
أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]