ممنوع التدخين في السعودية | No smoking in Saudi Arabia…

ممنوع التدخين في السعودية | No smoking in Saudi Arabia…

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

Prof. Ahmed Alshumaimri

أ.د. أحمد الشميمري

 

في إحدى الرحلات الدولية للخطوط السعودية والتي يمنع فيها التدخين أخذ أحد الركاب يدخن بشراهة واستلذاذ  دون مبالاة أو اكتراث لاستجداءات المضيفين وتعليقات الركاب المحيطين، فلم يكن من أمام الجميع سوى الإذعان لرغبات ونزوات هذا الراكب.

تذكرت هذا الموقف حالما استمعت إلى نظام مكافحة التدخين الذي أقره مجلس الوزراء قبل أيام. وقد سرني فيه كما سر الكثيرين شمول الحظر العديد من الأماكن والمرافق والمؤسسات العامة والخاصة ووسائل النقل البرية والجوية. كما تميز النظام بأن الغرامات المحصلة تخصص لدعم جهود التوعية وتشجيع الجمعيات الأهلية على مكافحة التدخين على مستوى المملكة. وهذا التوجه الحميد في إعطاء بعض المرونة للقطاعات الحكومية في التصرف ببعض الإيرادات مطلب كبير وملح ينبغي الالتفات إليه ودراسته بشكل أوسع مما هو عليه الآن، دراسة تحقق مصالح الدولة العامة وتتيح لبعض قطاعاتها المرونة والتأهيل لمفهوم الخصخصة العام. فتحصيل القطاعات العامة ليعض الجزاءات والغرامات والمخالفات المالية التي تصب مباشرة في خزينة المالية، يصيب بعضها بالخمول وتحصيلها بالتهاون وجهودها بالتكاسل وربما يصل الحال إلى الوقوع فيما يخالف أخلاقيات العمل ومستوجبات الأمانة والمسئولية. فالقطاعات العامة عندما تعلم أن ما يتم تحصيله إنما سيودع مباشرة إلى خزينة المالية تفقد تلك القطاعات كما يفقد عاملوها دوافع التشجيع والحماس والسعي إلى الفعالية في الأداء والكفاءة في الإنتاجية خاصة إذا ما تعلقت تلك الأمور بالمخالفات والجزاءات والغرامات التي ترتبط عادة بالعاطفة الاجتماعية المشروعة أو غير مشروعة. بينما عندما تؤول تلك الأموال أو جزء منها إلى خزينة القطاع فإن الأمر يختلف ويتغير. فالهمم تعلو والجهود تتضاعف كما أن النتائج في كثير من الأحيان تبهر. والقطاعات شبه المستقلة كالغرف التجارية والجامعات وبعض المؤسسات العامة الجريئة أوضح مثال على ذلك.

وفي الواقع أن إيجاد أنظمة وعقوبات وغرامات تعزز مفهوم الالتزام بالنظام العام واحترامه وتدعم السلوك الحضاري في البلاد أمر مطلوب ومحمود حتى ولو كانت تلك الغرامات باهضة ومرتفعة. إذ سيكون قبول الناس وإذعانهم لها وتفهمهم لمغزاها وأهدافها أكبر بكثير من قبولهم وتفهمهم لمشاريع رفع الرسوم على الخدمات الحياتية الأساسية كالطاقة والماء والاتصالات.  وما يمكن تحصيله من تلك الزيادة على الخدمات وبعض المنتجات لربما أمكن تحصيل جزء كبير منه من نظام الغرامات والعقوبات المعززة لحفظ النظام والسلوك القويم لو وجدت الآليات التطبيقية المناسبة. ولكم أن تتصورا أن مدينة لندن وحدها تحصل مئات الملايين من الجنيهات سنوياً من خلال غرامات الوقوف الخاطئ للسيارات.

وما يجب الوقوف عنده حول ” نظام مكافحة التدخين” هو تلك الآلية التنفيذية المتوقعة لتطبيق هذا النظام على أرض الواقع. فمن هو المخول بتحصيل الغرامة؟ وأي سلطة نظامية يمكن أن تفرضها وزارة الصحة على الأفراد؟ ففي قصة الراكب السابقة كيف لنا أن نوقع العقوبة على ذلك المكابر. ومن له الحق في متابعة المخالفين في المرافق الرياضية والعامة لتغريم كل منهم مائتا ريال؟ أسئلة عديدة يجب طرحها على هذا النظام والأنظمة المشابهة السابقة التي لا تجد آلية تنفيذية لإيقاعها.

هناك في الغرب المتقد يقوم رجل الأمن بإيقاع كل العقوبات النظامية المتعلقة بالأفراد بما فيها رمي علبة فارغة أو منديل ورق في شارع عام. وليس الغرب وحده فقط بل إن الشرق النامي يضع غرامات تصل إلى 1000 دولار لمن يلقي علكاً على الأرض كما هي الحال في سنغافورا وهونج كونج واليابان وغيرها.

إننا في هذه المرحلة بحاجة إلى تعزيز السلوكيات الحضارية في مجتمعنا بالآليات التنفيذية العملية وإلى أصبحت تلك الأنظمة مجرد ملفات أرشيفية يلجأ إليها من أعتاد على الكيد والانتقام في سيناريو لا يخلو من ظلم. والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر من رأي قد يناسب الزمان والمكان والظرف الذي قد كتب حينه وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال كما يدور الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ الإدارة والتسويق، جامعة الملك سعود،الرياض   [email protected]  [email protected]