مفهوم الرعاية بين القطاع العام والخاص

مفهوم الرعاية بين القطاع العام والخاص

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

يتراءى أمام ناظري موقفان متناقضان يعكسان الواقع الغامض والتجربة الحديثة لتعامل القطاع العام مع القطاع الخاص عندما يلجأ الأول لمعونة ودعم الثاني. أما الموقف الأول فكان لمسئول يحمل شعار ممول الفعالية الاحتفالية باحثاً عن مكان مناسب لتنصيبه أمام الحضور بعد أن غصت جنبات القاعة بالعبارات المدبجة بشعار الممول، وضاقت الممرات بلوحاته الإعلانية المتكررة، وتبهرجت المطبوعات بشعاراته المزخرفة، وتأجل البرنامج مراعاة لظروفه، وامتد الوقت ليستوعب كلمته. وعلى هذا الموال استمر المنظمون يقدمون هذه التسهيلات بكل أريحية وحبور للمنشأة الممولة للفعالية.

أما الموقف الثاني فكان ذلك الاجتماع الساخن بين مسئولي أحد القطاعات العامة وقد أحتد بينهم النقاش بعد أن ضاقت بهم الحيلة في تقسيم المقاعد الأمامية، وهل يحق للممول الجلوس في الصف الأول؟ وهل من المناسب ذكر اسمه صريحاً في تقديم الحفل الذي قام بتمويله أو المشاركة بذلك؟ وهل يمكن أن يظهر شعار منشأته في بطاقات الدعوة بجانب شعار الوزارة المهيب؟ وهل يمكن أن نطلق عليه داعم أم راعي؟ .. وأسئلة أخرى كثيرة تخللت النقاش الساخن الهادف إلى تحجيم دور الممول والتصدي لظهوره أمام الملأ.

هذان الموقفان يتكرران في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من جهة رسمية وشبه رسمية تتعامل مع القطاع الخاص. وكل جهة من تلك الجهات تضع لنفسها أو يضع القائمون عليها قيوداً وقوانين وأنظمة مستمدة من تجاربهم الشخصية ومواقفهم الفردية تجاه القطاع الخاص.

فأما المتوجسون من القطاع الخاص والمتعاملون معه بترسبات الماضي فيرون تحجيم دوره وإخفاء مساهمته، والتقليل من مشاركته. فهم قد ألفوا حالاً كان اللجوء فيه إلى القطاع الخاص للعون والمساهمة يعد ضرباً من التجاوزات النظامية، وقبول التبرعات والهبات نوعاً من المخالفات القانونية. ورسخت في أذهانهم تلك النظرة الفوقية للقطاع العام ومؤسساته التي تجعله يترفع عن منشآت القطاع الخاص وأموالها، ويظن أن قبول المساعدة والتمويل نقص في المكانة وزعزعة للثقة والنزاهة. 

أما العالمون بمراحل تطبيق الخصخصة في الدول، والمنفتحون على القطاع الخاص، والمدركون لأهمية مساهمته الاجتماعية في خدمة أفراد المجتمع في شتى المجالات العلمية والثقافية والرياضية، فقد أحتاروا هم أيضاً في كيفية التعامل العادل معه. إذ ليس لديهم ضوابط، كما لا يعرف لهذا التعاون حدوداً ومعالما. مما حدا ببعضهم إلى المغالاة في التلطف مع الممولين والرعاة والداعمين، ومراعاة مطالبهم، والاستجابة لشروطهم كما هو الحال في الموقف الآنف الذكر.

والواقع أن غياب التشريعات والأنظمة والإرشادات الحاكمة لعلاقة التعاون بين القطاعين هي التي أفقدت التوازن، وأوجدت الفجوة بين الممارسين لهذه العلاقة بين الغالي والمفرط. ولأن الأنظمة والتشريعات تحتاج إلى زمن طويل وإعداد مستفيض فإن المهتمين يتطلعون إلى مبادرة من وزارة التجارة تبين الحقوق التي يحصل عليها الممول والواجبات التي يتعين على الممول ( بفتح الواو) أداؤها.

فالقطاع الخاص عندما يعطي فهو يفترض أن يأخذ، وعندما يستثمر فإنه يتوقع أن يربح ربحاً يتدرج من أعلى الدرجات المادية إلى أقل الدرجات المعنوية، لكنه لا يساهم هكذا دون مقابل. هذه الحقيقة البدهية وإن ظن البعض أنها تتعارض مع الاحتساب، هي أساس وضع الضوابط والحقوق والواجبات التي يجب أن تتدرج هي الأخرى بتدرج المساهمات. وربما أحتاج الأمر أيضاً إلى إيضاح وتحديد المسميات وتعريف المصطلحات التي لا تزال غير محسومة.

ولأن وزارة التجارة وربما الصناعة هي الأخرى في حاجة إلى وقت طويل و دراسة مستفيضة لاقتراح الأنظمة والتشريعات وإدراجها في سلم الأولويات المزدحمة، فإن الأمل في الغرف التجارية الصناعية أن تبادر في طرح التصورات الأولية والضوابط والقوائم الإرشادية للحقوق الواجبات، وإجراءات الحصول على تمويل ورعاية ومشاركة من القطاع الخاص. تكون هذه الإرشادات توطئة وتهيئة لاستيعاب مفهوم الخصخصة ومتطلباتها.

 

خاتمة 

في لقاء شهدته، أبدى أحد كبار رجال الأعمال استعداده لبناء صرح علمي في أحد مناطق المملكة على حسابه الخاص على أن يتم تسميته باسمه، فتم بطريقة احترافية الاعتذار له بلطف. فما كان من ذلك التاجر إلا أن توجه بمشروعه إلى خارج البلاد وأقام بعد فترة ذلك الصرح باسمه كما أراد!

د. أحمد الشميمري

إدارة وتسويق 

جامعة الملك سعود – فرع القصيم

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]