لماذا لا يوظف القطاع الخاص الخريجين الجامعيين؟

لماذا لا يوظف القطاع الخاص الخريجين الجامعيين؟

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

سؤال كبير وهاجس مقلق أمام جميع المهتمين في الشأن الوطني و للوصول إلى إجابة أكثر واقعية توجهت إحدى الدراسات الميدانية العلمية التي أجرتها جمعية ريادة الأعمال بهذا التساؤلات لاستطلاع رأى القطاع الخاص حول الأسباب التي ساهمت في عدم توظيف الخريجين في القطاع الخاص. وقد أوضحت الدراسة الميدانية المجراه على عينة من كبرى الشركات العاملة في مدينة الرياض بلغت 102 منشأة أن العوائق العشرة الأولى من بين 22 عائقاً التي ساهمت في عدم توظيف الخريجين في القطاع الخاص هي على النحو التالي :

  • فقدان الولاء الوظيفي للمنشأة

فالقطاع الخاص يشتكي من صعوبة ضمان استمرار الموظف السعودي في العمل بعد اكتساب الخبرة، وهذا ما يعتبره القطاع الخاص وفق هذه الدراسة العائق الأول، إذ أن المواطن عندما تحين له الفرصة ولو كانت أفضل بقليل يضرب بعمله السابق عرض الحائط ولا يتردد في الانتقال لكان آخر، ولذلك فإن نسب دوران العمالة في منشآتنا الخاصة تعد نسباً عالية وإن لم يتوفر إحصاءات دقيقة في هذا الصدد، إلا أن الظاهرة واضحة في ظل غياب المميزات،  وتعاظم الصلاحيات المطلقة لرب العمل تجاه العاملين والموظفين لديه في مقابل الالتزامات الضئيلة للموظف حيال عمله الحالي.

هذا الهاجس يجعل القطاع الخاص يحجم أحياناً عن تطوير وتأهيل وتدريب المواطن خوفاً من انتقاله مباشرة حالما تتاح له الفرصة. وبالرغم أن القطاع الخاص يؤكد أن الفرصة التي يتيحها للمواطنين كثيرة ومتعددة لكن المواطن يتعجل في اقتطاف الثمرة ويكثر من المقارنة مما يفقده الولاء للمنشأة وبالتالي التخلي عنها عند أقرب فرصة.

  • عدم إجادة اللغة الإنجليزية

يعتبر القطاع الخاص اللغة الإنجليزية لغة الإدارة والتجارة ووسيلة التخاطب العالمي ولسان التواصل الإداري، كما أن المصطلحات الإنجليزية تطغى على معظم التعبيرات التجارية. وتزداد اللغة الإنجليزية أهمية بازدياد التسويق المباشر عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية والانفتاح الاقتصادي وعمليات التجارة الدولية. وحينما يطلع القطاع الخاص على واقع الطالب الجامعي يكتشف الضحالة والضعف الشديدين في إتقانه للغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة.

وبالرغم من أن هذا العامل يعكس قصور المناهج التعليمية في المدارس والجامعات عن تأهيل العمالة السعودية بالحد الأدنى من مهارة اللغة الإنجليزية إلا ان الطالب الخريج لا يعفى من أن يؤهل نفسه قبل التقدم للعمل في القطاع الخاص، فتجده يسارع في البحث عن عمل دون السعي للالتحاق بالمركز التدريبية لدراسة اللغة لمدة لا تتجاوز 15% من المدة التي قضاها في الجامعة، سعياً لسد هذا القصور قبل التقدم للعمل.

  • الترفع عن قبول الوظائف الدنيا

يرى القطاع الخاص أن المواطن يشترط في كثير من الأحيان العمل المكتبي بعيداً عن الأعمال الفنية والمهنية، ويتجاوز البعض في آماله ليشترط أن يكون مديراً هكذا من أول يوم تطأ فيه قدماه المنشأة. وهذه النظرة الدونية للوظائف الفنية ربما ساهم المجتمع في تعميقها، لكنم الخريج الواعي يجب أن يسمو بأهدافه ويخطط ببعد نظر ليتحقق له الحاضر الواقعي قبل المستقبل الحلم. وتؤكد التجارب أن المتدرجين في القطاع الخاص يرتقون في سلم النمو والتطور أكثر بكثير من القطاع العام، وبالتالي فإن الفرص المستقبلية حتى في الوظائف الدنيا تظل أكبر وأسنح للمكافحين الجادين.

  • الوظيفة يجب أن تكون وفق رغباته

يشترط الخريج وظيفة حسب الطلب والشروط التي لا يرغب في التنازل عنها، فمنهم من يريد أن يكون مديراً من أول يوم له في المنشأة حتى يصدق فيهم ذلك المشهد التلفزيوني الكوميدي للمنشأة التي جميع موظفيها مديرون، وعندما أراد أن يعين قريباً له تم تعيينه مديراً لشئون المديرين!

ومن الخريجين من يحصر رغباته في قطاع معين أو في مجال معين لا يرى ولا يقبل غيره وإن لم يتحقق بقى بلا عمل. ومنهم من يريد عملاً في مدينته ، وربما في حيه أو قرب منزله. وهذه الرغبات وإن بدا بعضها منطقياً إلا أنها لم تعد تتحقق بسهولة، وأصبح تحقيقها يتطلب تأهيلاً عالياً وقدرة على المنافسة وربما وقتاً أطول للوصول لها والحصول عليها.

  • قلة الخبرة العملية

يفتقر الموظف المواطن حديث التخرج للخبرة العملية في مجالات العمل، ويمتد هذا القصور ليشمل الوظائف البسيطة كالتعامل مع الحاسب الآلي، والنسخ، ومهارات الإتصال، والسكرتارية. فالقطاع الخاص يحتاج إلى شغر وظائف بكفاءات تحقق له الفعالية والكفاية وليس على استعداد لشغرها بمن لا يعرف بتكلفة عالية مقارنة بمن يعرف بتكلفة أقل.

وإذا كان التأهيل الجامعي يتحمل جزءً كبيراً من المسئولية، فإن الطالب الجامعي في المرحلة الجامعية لا يهتم كثيراً بتنمية مهاراته وتطوير ذاته وذلك من خلال الاستفادة والاستزادة من الدورات المجانية ضمن الانشطة الطلابية، أو الدورات مدفوعة الثمن في المعاهد والمراكز بعد الإنتهاء من اليوم الدراسي، أو في العطل الصيفية كما هو الحل في الدول الغربية المتقدمة. فقد أوضحت إحدى الاحصاءات أن ما يزيد عن 65% من الطلاب الملتحقين في الجامعات في إحدى الولايات الامريكية المتحدة يعملون عملاً جزئياً متزامناً مع الدراسة.

وهناك تجد الطلاب هم الذين يقومون بتشغيل معظم مرافق الجامعة الخدمية إبتداءً من المطعم، والمعمل، والمكتبة، والتسجيل، والمستوصف، حتى الخدمات القانونية الاستشارية. في حين أن الطلاب لدينا يحجمون عن البحث عن وظيفة تكسبهم جانباً من الخبرة العملية للمستقبل.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]