كيف تنجح الشركات الجامعية

كيف تنجح الشركات الجامعية

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

بدأت الجامعات السعودية والعربية بدخول عالم الشركات الجامعية القائمة على المفهوم الاقتصادي إدارة وتنظيماً وعائدا لتنتقل من مفهوم القطاع العام لتقديم المعرفة إلى مفهوم القطاع الخاص في استثمارالمعرفة. واستشرافا لمتطلبات نجاح هذه الشركات فإنها ستواجه عدة تحديات ويجب أن تراعي عدة عوامل ومحددات ستكون حاسمة في تحقيق هذا النجاح المنشود.ومن تلك المحددات أن الشركة الجامعية الجديدة ستقع بين ثقافتين مختلفتين هما الثقافة الأكاديمية التقليدية التي تنتمي إليها الآن وبين ثقافة الأعمال التي يجب أن تصبح فيها حاضراً ومستقبلاً. فالشركة يجب أن تكون مسؤولة عن كل مدخلاتها ومخرجاتها المالية والبشرية وفق آليات عمل الشركات الاحترافي لا بيروقراطية المنظمات العامة. ومن سيفشل في نجاح النماذج الصغيرة سيجد تحدياً كبيراً في نجاح الشركة وفق متطلبات الثقافة التجارية الجديدة. والدارس لتجارب الغرب في الشركات الجامعية يجدها في الواقع تعمل من خلف الثقافة الأكاديمية وفي بعض الأحيان ضدها بدلاً من أن تكون من خلالها وفي إطارها.

وكما هو الحال في الجامعات الأمريكية والأوروبية فستكون هناك مقاومة من قبل الأكاديميين للوسائل التعليمية التطبيقية الموجهة بالاقتصاد المعرفي القائم على النموذج التجاري في مناهج الجامعة وطرق تدريسها ومخرجاتها من أبحاث وخريجين. وستواجه محاولات تطويع المناهج وهندرة الإجراءات تصادماً صريحاً مع ثقافة الأكاديميين خاصة عند غياب تطبيق الاستراتيجيات المتناغمة مع توجهات الجامعة العليا.

ومن مظاهر هذا التصادم وآثاره ما أشارت له دراسة قام بها الباحث ويليمز في بريطانيا حيث أوضح أن الجامعات التي قطعت شوطاً طويلاً في التوجه نحو الاستثمار المعرفي قد شهدت انخفاضاً واضحاً في مرتبات الأكاديميين مقارنة بالمرتبات المدفوعة للمهنيين والممارسين الذين تستقطبهم الجامعة. كما شهدت هذه الجامعات انخفاضاً ملحوظاً في مستوى الأمان الوظيفي، ومستوى الإنتاجية الأكاديمية.

ومن المتطلبات التنظيمية للنجاح أن يكون لهذه الشركة أثر في التحول نحو اللامركزية في الإدارة المالية لوحدات وأقسام الجامعة، مع الاحتفاظ بالأهداف والمعايير الموحدة لقياس الأداء والإنجاز، وتخصيص الميزانيات والمخصصات وفق التقدم في تحقيق الأهداف الموضوعة. وبحسب حجم تلك الاستقلالية واتساعها تتسارع خطوات وإنجازات الشركة الجامعية. هذا التوجه الريادي المختلف عن التقليدية سيخلق ثقافة ريادة الأعمال وتطبيقاتها الواقعية في البيئة الجامعية وسوف يسهم بفعالية في تخفيف حدة المعارضة الأكاديمية.

ولنا أن نقرر أن الهياكل التنظيمية واللوائح العامة والثقافة الإدارية في الجامعة التقليدية لن تكون هي البيئة الخصبة والحاضنة المثالية للشركة الجامعية. وسيكون نجاحها أمام تحديان كبيرين أحدهما يتعلق بنجاح أعمالها كشركة تجارية تخضع إلى معايير وأنظمة القطاع الخاص، والتحدي الآخر والذي لا يقل أهمية وصعوبة هو في القدرة على تعايشها في بيئة النظام العام، وربما أدى الأمر إلى وقوعها في فخ العزلة التي حذر منها الباحث سيمون مارجنسون، ودعا في أطروحته لبناء الشركة الجامعية إلى أن الخروج من العزلة التي وقعت فيها كثير من الجامعات الأسترالية يتطلب خلق وحدات جديدة من داخل النظام قائمة على المفهوم العصري الجديد للجامعات وموجهة بتعزيز مفهوم الإبداع والابتكار وتدار باللامركزية المتحررة من قيود اللجان والمجالس، والمتمحورة حول تحقيق الأهداف والإنجاز.

وأخيراً فإن الاستفادة من تجربة الشركات الجامعية الناجحة في العالم مطلب كبير وذلك باستضافة خبراء تلك الشركات، وعقد اللقاءات وورش العمل المشتركة لبناء شركة جامعية متميزة تتناسب مع متطلبات ومحددات البيئة المحلية. فالنماذج الشهيرة مثل جامعة هارفرد وجامعة MIT هي في الحقيقة نماذج بعيدة كل البعد عن النموذج السعودي المأمول.

فتلك الجامعات هي جامعات خاصة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، تتمحور حول مبدأ الربحية والتنافسية الصرفة بخلاف جامعاتنا السعودية الموجهة بمبدأ الخدمة العامة. ومن تهيأ له زيارة تلك الجامعات يشاهد بوضوح الفارق الكبير بين من يفرض رسوماً على كل خدمة مهما صغرت ومن يغدق في الإنفاق على الخدمات المجانية ومنح المكافآت، فضلاً عن اختلاف الثقافتين والأنظمة والإجراءات ومنهج التفكير. فالاستشهاد بتلك الجامعات لا يعدو كونه استشهاداً لشحذ الهمم وحث الجهود، لكنها ليست على أي حال نماذج للمقارنة الواقعية والتبني.

ومن المجدي أن نستفيد من تلك النماذج الواقعية لتلك الشركات التي خرجت من رحم الجامعات الحكومية ونجحت نجاحاً باهراً في تحقيق التوازن بين تقديم الخدمة العامة وبين الاستثمار المعرفي المستديم. ولنا مع تلك النماذج الناجحة مراجعات في مقالات مقبلة – بإذن الله.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]