خطوات الرقابة الإدارية

خطوات الرقابة الإدارية

تاريخ النشر: 7 أكتوبر، 2021

هناك خمس خطوات أساسية يجب أن يتخذها المدير للقيام بمهمة النشاط الرقابي المتمم لعمله الإداري، كما يبينها الشكل رقم (1–10).

شكل رقم (1–10) خطوات الرقابة الإدارية

 

  • الخطوة الأولى: وضع المعايير الرقابية:

في هذه الخطة يتم وضع المقاييس التي على أساسها يتم مقارنة الأداء الفعلي بالأهداف الموضوعة. وإن التوصل لمقاييس يتوافر فيها اعتبارات الاعتدال أو المناسبة من أولى أساسيات العمل الرقابي لأن هذه المقاييس في مجملها هي التي يستند إليها المدير في مقارنة الأداء الفعلي بالأهداف لاستكشاف أي ثغرات أو انحرافات تعتري التنفيذ، لذلك يطلق على هذه المقاييس تعبير «معايير» باعتبارها المؤشرات الواجبة التقديرية التي يجب تحقيقها.

ومما هو جدير بالذكر في هذا الشأن أن التقييم الفعلي للأداء لا يقتصر فقط على الأداء الذي يقوم به الأفراد كحجم ما ينتجه العامل خلال ساعات عمله (مثل عدد الصفحات التي ينسخها، أو عدد المعاملات التي ينجزها خلال ساعات العمل)، بل يمتد الأمر ليشمل كل جوانب المنظمة أي وظائفها الرئيسة كافة كالتصرفات الإدارية المتعلقة بكل من:

  • الوظيفة المالية: (مثل حجم الأموال التي تديرها الإدارة من المصادر الخارجية والداخلية، معدل العائد على الاستثمار الفعلي).
  • وظيفة الشراء: (كعدد أوامر الشراء المحققة خلال السنة، وحجم المخزون المحتفظ به من المواد أو من الإنتاج التام).
  • وظيفة الإنتاج: (كعدد وحدات الإنتاج المطابقة للمواصفات القياسية الواجبة خلال المدة الزمنية).
  • وظيفة الموراد البشرية: (كعدد حوادث إصابات العمل الفعلية خلال المدة الزمنية، أوعدد العاملين الذين استفادوا فعلاً من الدورات التدريبية المنعقدة).

وبشكل عام يمكن تصنيف جملة المعايير الرقابية إلى نوعين:

أ – معايير كمية مادية ملموسة Quantitative Standards

وهي تأخذ أشكال عدة مثل:

مقاييس كمية: ومن أمثلتها المعروفة عمليا كل من:

  • معايير قياس كفاءة استغلال طاقة الآلات؛ كعدد الوحدات التي تنتجها الآلة الواحدة خلال مدة زمنية معينة.
  • معايير قياس كفاءة استغلال وقت العمل الرسمي؛ كعدد الوحدات التي تنتج فعلا خلال ساعة العمل أو خلال المدة الزمنية المحددة.
  • معايير قياس كفاءة استغلال المواد الخام؛ ككمية كل صنف من أصناف المواد الخام المستخدمة فعلا في إنتاج الوحدة الواحدة.

مقاييس مالية: ومن أمثلتها:

  • معايير قياس كفاءة استغلال رأس المال المستثمر؛ وذلك بحسب معدل العائد على الاستثمار.
  • معايير قياس كفاءة الإنفاق؛ مثل مدى كفاءة استغلال المصروفات الثابتة كالإيجار والفائدة على القروض لأقصى درجات الاستغلال (التي تعرف بالروافع التشغيلية والمالية).
  • معايير قياس كفاءة سياسة التحصيل لأوراق القبض؛ وذلك من خلال قياس عدد أيام التحصيل الفعلية للمستحقات الموجودة لدى المدينين.

ب – معايير نوعية غير مادية Qualitative Standards

وهي التي يصعب ترجمتها في شكل مقاييس مادية ملموسة، ومن ثم فهي معايير اجتهادية تختص بمحاولة قياس مدى كفاءة الإدارة في قيامها بأعبائها الاجتماعية والإنسانية نحو فئات المنظمة المختلفة الآتية:

  • فئة الموظفين: حيث يمكن تقدير درجة ولائهم للمنظمة التي ينتمون إليها باستخدام معدل تسرب العمالة للخارج، ومعدلات الغياب والتمارض وغيرها.
  • فئة المستهلكين: حيث يمكن تقدير درجة رضاهم عن منتجات المنظمة باستخدام معدل تكرار الشراء.
  • فئة الموردين: حيث يمكن تقدير مدى حرصهم على التعامل مع المنظمة من خلال عدد مرات الخصم المكتسب أو الشراء الآجل.

وإذا كان أساس هذا النوع من المعايير هو استخدام أسلوب استطلاع الآراء لهذه الفئات فمن الأفضل أن يدعم هذا النوع من المعايير بواحد على الأقل من المعايير المادية السابقة بقدر الإمكان حرصاً على تحقيق الهدف المنشود بأكبر قدر من الواقعية وعدم التحيز.

الخطوة الثانية: قياس الأداء الفعلي:

وفي هذه الخطوة يتم قياس ما تم أداؤه بالفعل. وهي مرحلة مرهونة بالمرحلة السابقة، فمن الصعب قياس الأداء الفعلي وتقييم مدى مناسبته دون أن يتوفر لدى المراقب “المعايير الملائمة” السابق وضعها وإقرارها. ولذلك حتى تتم العملية الرقابية أو الإشراقية بشكل موضوعي يجب على المراقب أن يأخذ في حسبانه أيضاً عدة اعتبارات بخلاف اعتبار «سلامة المعايير»، والتي من أهمها:

  • – مراعاة نطاق الإشراف:

تقضي المبادئ الإدارية بأن يكون نطاق الإشراف الذي يقع تحت مسؤولية المراقب مناسباً، وهذا الأمر بطبيعته مرهون بعوامل مختلفة مثل:

  • مدى كفاءة ومهارة وخبرة المراقب نفسه.
  • مدى تمركز المرؤوسين موضع المراقبة.
  • مدى درجة حداثة خبرة المرؤوس بمهارات الوظيفة التي يشغلها.
  • مدى فعالية نظم الاتصال المتبعة بين المراقِب والمراقَب والمرؤوسين.
  • مدى درجة تجانس المهام التي يؤديها المرؤوسين موضع المراقبة.
  • – مدى تفهم المرؤوسين مقدماً لأهداف المراقبة:

إن عدم الإلمام المسبق للمرؤوسين بمبررات المراقبة على إنجازاتهم، والتفهم للكيفية التي ستتم بها، والأدوات التي سيستعين بها المراقبين في أداء إجراءاتها كل ذلك يجعل عملية المراقبة عديمة الجدوى لأنها بهذه الصورة لن تحرز الإدارة الأهداف المنشودة منها. وهنا يظهر دور المدير المراقب حيث يقع على عاتقه مهمة تهيئة نفوس العاملين للمراقبة حتى يتقبلوا أية استفسارات أو مناقشات تثار معهم بتفاهم وارتياح. هذا مع التأكيد للمرؤوسين أن هدف الرقابة لا يقتصر على مجرد اكتشاف سلبيات الأداء،  بل المقصود هو الاستفادة منها كمؤشرات واقعية تفيد في تطوير المعايير الرقابية اللاحقة، وكذلك عند إعادة التخطيط للمدد الآتية.

  • – أن يكون هناك حد للخطأ المسموح به:

من الصعب عمليا أن يؤدي الفرد أعماله المطلوبة منه بدرجة صواب 100% على الدوام؛ لذلك لا يعيبه أن يرتكب بعض الهفوات أو الأخطاء بشرط أن تكون في الحدود المسموح بها (وذلك من حيث عدد مرات الخطأ، ونوعيته) حرصاً على مصلحة العمل؛ لأنه بتجاوزه لهذا الحد أو ذلك الهامش ستتحول هذه الأخطاء لسلوكيات تصبح لها صفة الاعتياد المسموح به، وعندئذ قد تكتسب صفة عدم جواز المحاسبة عليها.

ووسيلة المراقب في قيامه بعملية التقييم الفعلي لأداء مرؤوسيه تتم عادة من خلال كل من أسلوب:

1.المتابعة المباشرة (الحية) من خلال المشاهدة:

وهذا الأسلوب يقضي بنزول المدير لمواقع العمل (الإدارة بالتجوال) حيث يبدأ المراقب يتتبع بالملاحظة أداء كل مرؤوس على حدة أو الجماعة ككل وقياس النتائج على أن يقارن ذلك بالمعايير الرقابية الواجبة سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة، فتتكشف له المعوقات أو الانحرافات الفعلية التي تتجاوز حدود السماح وهي التي يستحق عنها عندئذ المساءلة وتوقيع العقاب المناسب.

2.المتابعة المباشرة الآلية من خلال الكاميرات:

وهذا الأسلوب يتم بموجب المراقب، ولكن من مكتبه من خلال جهازه الآلي الموصل بكاميرات مركبة بمواقع العمل، ولذلك يعد هذا الأسلوب مباشراً أيضاً في المراقبة. وهناك سمة اختلاف بين المراقبة الحية بالعين والأخرى الآلية، وهو أن الأسلوب الأول يتيح الفرصة للمراقب أن يتناقش مباشرة مع المرؤوس ويستمع إليه ويتبادلان وجهات النظر في نقاط الاختلاف، مما يجعل منها وسيلة جيدة للاقتناع بوجهة النظر الصحيحة في النهاية وبالتالي سرعة الاستجابة للتصحيح.

وأهم ما يعيب هذا الأسلوب هو طول المدة المستغرقة في عملية التقييم والمناقشة مع المرؤوسين مما قد يؤثر على وقت وحجم العمل المتبقي سواء للمدير أو للمرؤوس. أما الأسلوب الثاني للمراقبة، وهو ما يتم بواسطة الكاميرات فهو يعد أكثر توفيراً لكل من وقت وجهد المدير المراقب، كما أنه يتيح له فرصة الاحتفاظ بالمعلومات لديه بالحاسب ومن ثم سرعة استردادها وقت الحاجة إليها. ولعل أهم ما يؤخذ على هذا الأسلوب افتقاده لعنصر المناقشة المباشرة بين المدير والمرؤوس عن نقاط الصعوبات التي تعتري الأداء مما يقلل من درجة حماس واستجابة المرؤوسين عند تلقي أية توجيهات أو قرارات تصدر لهم دون سابق مناقشة.

وعملية المراقبة الفعلية هنا يمكن أن تؤدى بواسطة الرئيس (أي المدير)، أو يمكن أن يخصص لها مشرفين متفرغين ومسؤولين عن متابعة التنفيذ كالمهندسين، ومشرفي العمال وغيرهم.

  1. المراقبة غير المباشرة:

وهي تلك التي تتم من خلال:

أ- التقارير المكتوبة التي قد يعدها المرؤوس بنفسه لرئيسه.

ب- التقارير المكتوبة أو الشفهية التي تعد بمعرفة المشرف والتي يرفعها ويبلغ بها مديره المباشر الذي يعمل تحت رئاسته.

ويعد أسلوب التقييم من خلال التقارير أفضل من كل من النوعين السابقين لأن التقييم هنا يكون متأنيا وأدق وأكثر واقعية باعتباره صادرمن المرؤوس نفسه أو من المشرفين المتخصصين. وتعد التقارير المكتوبة أفضل من مثيلتها الشفهية؛ لأنها تعد بمثابة مصادر موثقة يمكن الاحتفاظ بها واستعادة معلوماتها الواقعية عند الحاجة.

 

الخطوة الثالثة: تصويب الانحرافات:

وترتبط هذه المرحلة ارتباطاً وثيقاً بنتائج مخرجات القياس للمرحلة السابقة، وهي تلك المرحلة التي عادة ما تسفر عن واحدة من النتيجتين الآتيتين: بمعنى إذا ما جاءت النتائج:

  • إيجابية: أي أن الانحرافات قد جاءت في ظل التجاوزات المسموح بها فعندئذ لا يكون هناك مبرر للقيام بالمرحلة الثالثة المسؤولة عن تصويب الانحرافات.
  • أو سلبية: أي أن هناك انحرافات تجاوزت الحدود المسموح بها فإن ذلك يكون مبرراً لاستكمال إجراءات العملية الرقابية وبالتالي القيام بالمرحلة الثالثة التي هدفها الإصلاح للانحرافات لهدف إعادة سر العمل لمساره الصحيح وفقا للخطة.

الشكل رقم  (2–10)  نتائج قياس الأداء الفعلي

 

هناك تعديل جوهري في الرسم انظر الكتاب

 

وهنا يستوجب الأمر تبعا لمرحلة تصويب الانحرافات الالتزام باعتبارات رئيسة من أهمها:

  • حصر أسباب الانحراف توصلاً للسبب الرئيس أو المشكلة الأساسية بالأساليب العلمية المناسبة والتي يذكر منها في هذا الشأن نموذج تحليل عظمة السمكة Fishbone Diagram لصاحبها الياباني إيشكاوا الذي يفيد كثيراً في الوصول للمسببات الفرعية ومن ثم تشخيص Diagnosis المشكلات الإدارية، وعندئذ تكون الإدارة قد نجحت في وضع يدها على أولى خطوات العلاج بتشخيصها الصحيح للداء الرئيس المتسبب في هذه السلبيات.
  • توافر الصلاحيات الإدارية التي تسمح بتصحيح الانحرافات. والموقف العلاجي للانحرافات لا ينبغي أن يقتصر على الحلول السريعة فقط بل يجب أن تلحقها الحلول الجذرية طويلة الأجل لضمان القضاء على الانحراف في الوقت الحالي وأيضاً اللاحق.

هذا مع ملاحظة أيضاً أن الانحرافات محل التصحيح ليست بالضرورة أن تكون كلها ممن تقع في نطاق مسؤولية المرؤوس حتى تكون محل محاسبته عليها؛ لأن كثيراً منها قد يكون راجعاً للإدارة نفسها مثل مبالغتها في الأهداف التي أقرتها، أو في المعايير التي فرضتها على العاملين بالمنظمة والمتعاملين معها، أو بسبب عدم مناسبة المواد والإمكانات المتاحة والمرتقبة.

الخطوة الرابعة: اقتراح الحلول البديلة:

بعد تحديد الإدارة للمشكلة الرئيسة المؤدية لهذه الانحرافات تأتي المبادرة باقتراح الحلول البديلة الممكنة بشرط أن تتلاءم  مع ظروف وإمكانات المنظمة المادية والبشرية، على أن يتم المفاضلة بينها واختيار الإجراءات السريعة التي تفيد في حل هذه المشكلة بشكل فوري، وكذلك بحث الوسائل التي تكفل تجنب تكرارها في الآجال الأطول لتقليص التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي تنجم عن تكرار هذه الانحرافات.

الخطوة الخامسة: المتابعة

تقوم الإدارة من خلال هذه الخطوة متابعة تنفيذ قراراتها بالإجراءات العلاجية التي أقرتها للتأكد من :

  • مدى إلتزام المرؤوسين المسؤولين عن القرارات العلاجية المقترحة كما ونوعاً وزمناً.
  • مدى مناسبة هذه المقترحات للإمكانيات المتاحة.
  • مدى إيجابية النتائج المحققة عن هذه الإجراءات المستجدة.

ولذا يجب على الإدارة أن تتحلى دائما بالنشاط والفعالية، بمعنى ألا تظل حبيسة غرفتها حتى تطفو الشكاوى والمشكلات على السطح، لكي تهم بدورها العلاجي بل يجب عليها تخصيص جزء من وقتها وعملها باستمرار نحو التحري والتنقيب والبحث عن أي بوادر لثغرات أو انحرافات يمكن أن تعتري مواردها البشرية (العاملين) أو المادية (الأصول المختلفة) أو معاملاتها التجارية المنجزة لتسارع بدراستها وتحليلها واقتراح أوجه العلاج الملائمة قبل تفشي تكرارها.

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال والمقال، كما هي الحال في دورة الدهور والأزمان وتجدد الأفراح والأحزان. وكما قيل فالتاريخ يعيد نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]  [email protected]