جودة الخدمات البريدية .. الواقع والتطلعات

جودة الخدمات البريدية .. الواقع والتطلعات

تاريخ النشر: 7 أكتوبر، 2021

يعد البريد أحد الركائز الهامة لنمو الدول اقتصادياً واجتماعياً، وأحد البنى الأساسية لنهوض البلدان وتقدمها. كما يعد أحد المصادر الاقتصادية الهامة في كثير من الدول المتقدمة ، حيث ساهم البريد في الولايات المتحدة بما يصل إلى 30 بليون دولار عام 1995 ، وفي اليابان ساهم البريد في الدخل القومي عام 1995 بما يزيد عن 17 بليون دولار. أما في بريطانيا فقد بلغت مساهمة البريد عام 1995م إلى ما يزيد عن 12 بليون جنيه إسترليني. إضافة إلى ذلك فالبريد يساهم مساهمة فعالة في توفير فرص العمل للكوادر الوظيفية ، وإيجاد المناخ الاستثماري المناسب وتشجيع المؤسسات الوطنية للاستثمار والتوسع في أساليب التسويق المباشر عن طريق البريد. أما مساهمة البريد الاجتماعية، فقد أصبح البريد جزءاً لا يتجزأ من حياة الفرد في الدول المتقدمة، وأصبح صندوق البريد أحد أهم أجزاء المنزل الذي يعني الساكن به عناية فائقة لما يحمل له من رسائل وطرود وكروت أصبح جمعها وقراءتها من أساسيات يوم الفرد هناك . ونتيجة لذلك فقد بلغت عدد القطع البريدية المرسلة في الولايات المتحدة إلى ما يزيد عن 65 بليون قطعة بواقع 400 قطعة بريدية سنوياً لكل مقيم. أما في بريطانيا فقد بلغ المتوسط إلى 306 قطعة بريدية سنوياً لكل مقيم. وهذا العدد يزيد إلى 60 قطعة أسبوعياً لرجل الأعمال في أمريكا و 14 قطعة لرجل الأعمال في بريطانيا.

ونظراً لأهمية هذا القطاع فإن قياس أداءه وتقويم فعاليته واختبار جودته يعد أحد السبل الهامة للرقي بهذا القطاع وتطويره والنهوض به كي يحقق أهداف التنمية والمساهمة الفعالة في الاقتصاد الوطني. ومن تلك الدراسات العلمية الحديثة التي هيأت لقطاع الخدمات طرق عملية علمية لقياس جودة الخدمة حسب توقعات وتوجهات العميل المقدم له الخدمة دراسة التسويقية التي قام بها العالم Parasuraman وآخرون وأصبحت بعد ذلك نموذجاً أصيلاً قامت على أساسه العديد من الدراسات التطبيقية والنظرية لقياس جودة الخدمة في القطاعات الخدمية المختلفة. وسعياً للاستفادة من هذا المقياس ستستعرض هذه المقالة من منظور فردي نظري بعض ملامح الوضع الراهن للخدمة البريدية في المملكة بتطبيق عوامل قياس جودة الخدمة البريدية كما يقترحها Parasuraman ، ثم تقترح المقالة بعض الاقتراحات والوسائل التسويقية المختلفة التي من شأنها المساهمة بالنهوض بمستوى الخدمة وتحسين أدائها.

يقترح Parasuraman  وآخرون خمسة عوامل أساسية لقياس جودة الخدمة هي أولاً: الجوانب المادية الملموسة وتعني العناصر المادية المتعلقة بالخدمة مثل كفاية عدد الموظفين والمكاتب وجاذبية المباني والتصميم والمظهر العام للمباني والموظفين. ثانياً : الاعتمادية وتعني الدقة والثقة بالخدمة ومدى وفاءها بالالتزامات الواجب تقديمها للعملاء. وثالثاً: الاستجابة وتعني السرعة في تقديم الخدمة والتجاوب الفعال مع العملاء، ورابعاً: الأمان ويعني الشعور بالأمان عند التعامل مع مقدم الخدمة، ووجود المهارات والمعرفة الكافية لديه لخدمة العملاء، وخامساً: التعاطف والعناية والتجاوب الشخصي وتفهم حاجات العميل والسعي لإرضائه.

وفيما يلي سيتم استعراض عناصر جودة الخدمات البريدية في المملكة وفق هذه العوامل السابقة.

أولاً: الجوانب المادية الملموسة.   

عند مراجعة وتحليل الإحصاءات البريدية المنشورة نلاحظ قصوراً في بعض الجوانب المادية الملموسة للخدمة البريدية التي لم تصل إلى الحد الكافي لتغطية حاجات المستفيدين فالخدمة البريدية بأكملها لم تصل إلى جميع المناطق والمدن في المملكة . حيث أشارت خطة البريد الخمسية 1995-2000 إلى أن عدد القرى والهجر في المملكة تصل إلى 6000 مدينة وقرية وهجرة بينما لا تصل الخدمة البريدية إلى اكثر من 55 % منها.

إضافة إلى ضعف التغطية فإن من الجوانب المادية الملموسة التي تعاني منها الخدمة البريدية قلة الصناديق البريدية المتوفرة للمستخدمين لاستقبال رسائلهم، وكذلك ندرة صناديق الرسائل (جمع الرسائل من الشوارع) وقد أظهرت النشرة الإحصائية للبريد أن مجموع صناديق البريد للمشتركين في المملكة حتى عام 1419 هـ لا يتجاوز367000 صندوقاً أي بمعدل صندوق واحد لكل (52) نسمة. وإذا كان مشروع الوكالات البريدية سيكون حلاً موقتاً للتخفيف من هذا النقص، إلا أن نجاح هذه الوكالات سوف يتوقف كثيراً على تحسين الخدمات المساندة لها. أما صناديق جمع الرسائل من الشوارع  فلا يزيد عددها عن 2745 صندوقا عام 1419هـ، وبنهاية عام 1420 (منتصف عام 2000)  يتوقع أنها وصلت إلى 4800 صندوقا في المملكة. وهذا بلا شك عدد قليل جداً إذ يعني ذلك أن الصندوق الواحد يخدم أكثر من (4166) نسمة في المملكة (باعتبار أن تعداد السكان لعام 2000 بلغ 20 مليون نسمة).

ومن الجوانب المادية الملموسة الملاحظة على الخدمة البريدية تقادم مبانيها الحكومية واعتمادها على مباني مستأجرة غير مناسبة وتكون في كثير من الحالات ضيقة ومتواضعة من حيث التصميم الداخلي والاستقبال. كما أن الموظفين العاملين في المكاتب لا يتقيدون بالزي المعتمد من قبل البريد والذي يعكس الاستعداد للخدمة العميل والاهتمام بالمظهر العملي لمقدم الخدمة.

أما الجوانب المادية الملموسة الإيجابية في البريد فتنعكس في المقام الأول في وكالات البريد الخاصة حيث تظهر مبانيها منظمة، ومصممة تصميماً حديثاً، ويتوفر فيها أعداد كافية من العمالة وصناديق البريد والخدمات المساندة والمسهلة لعمليات إرسال واستقبال البريد. كما أن الإمكانات وحداثة الأجهزة وكفاية عدد الموظفين تظهر أيضاً بوضوح في خدمة البريد الممتاز.

ثانياً: الاعتمادية    

يؤكد آخر مسح أجري من قبل البريد لتقويم مسار الخدمة أن إيصال البريد لأقصى مكان داخل المملكة يستغرق حوالي 4 أيام كما أن البريد المرسل من داخل المدينة يعالج ويرسل في نفس اليوم. وبالرغم من ذلك فإنه تكثر شكاوى الجمهور عبر وسائل الأعلام المختلفة وفي الحوارات الاجتماعية المتعددة حول كفاءة واعتمادية خدمات البريد المقدمة. فيعاني بعضهم من التأخير الكبير في إيصال الرسائل حيث تستغرق بعض الرسائل عدة أيام لتصل إلى شخص آخر في نفس المدينة. وبعيداً عن ذكر الحالات الشاذة التي تستغرق فيها الرسالة المرسلة بين مدينتين في المملكة أكثر من شهر. فقد أوضحت دراسة أكاديمية محلية أجريت على 300 شركة سعودية أن أكثر منشآت الطباعة والنشر تحجم عن استخدام البريد في إرسال مطبوعاتها أو التواصل مع عملائها وذلك لأن البريد يستغرق 10 أيام لوصول المطبوعة إلى مشترك في نفس المدينة. أما الرسائل الشخصية فقد أكدت التجارب المتكررة أنها تستغرق ما بين 7 أيام إلى 13 يوما إذا أرسلت بالبريد العادي من منقطة مثل القصيم إلى الرياض. وهذا الفجوة الواسعة بين دراسة البريد والدراسات المستقلة والتجارب الشخصية تحتم على البريد مراجعة تلك الدراسات دورياً أو إسناد هذه المهمة لمنشآت مستقلة.

كما يشتكي كثير من الجمهور من عدم معرفة التعرفة الخاصة بالرسائل الداخلية فتظل معرفة التعرفة معتمدة على اجتهادات المرسل الذي يضطر إلى اللجوء إلى مكتب البريد لوضع التعرفة المناسبة التي يفاجأ أحيانا أن موظف البريد يضطر هو أيضاً للبحث عنها في جدول الأسعار، وربما وضع تعرفتين مختلفتين لرسالتين بنفس الوزن والحجم وموجهه لنفس المدينة! كما تفتقر المكاتب للخدمات المساندة مثل اللوحات الإرشادية، والموازين. كما أن المستخدم لا يعرف متى يصل بريده، ولا بمن يتصل عند ضياع البريد، ولا موعد جمع ما في الصناديق، ولا حتى مواعيد الدوام للمكاتب البريدية، حيث يندر أن تجد إيضاح خارج المبنى يوضح مواعيد الدوام.  أما في بعض الدول المتقدمة فإن المستخدم يعرف بدقة قيمة ما يحتاج أن يضعه من طوابع على كل رسالة، كما يعرف أيضاً بدقة متى سيتم جمع الرسائل من الصناديق في الشوارع، بل يعرف في كثير من الحالات خاصة في دول مثل بريطانيا واليابان وبلجيكا وغيرها، متى ستصل رسالته العادية إلى المرسل إليه. وهذه الفجوة جعلت المستخدمين يحجمون عن شراء الطوابع واستخدام الصناديق دون اللجوء إلى مكتب البريد.

أما بعض الجوانب الإيجابية فتتمثل في محاولة التحسين المستمر لمستوى الأداء فقد أوضح تقرير للبريد في 1420هـ أن أخر دراسة أجريت على قياس مهل إيصال البريد إلى المستفيدين أكدت أن مستوى سرعة الإيصال تحسن بمدل يصل إلى 6% عما كان عليه في السابق. كما أن دراسة المكتب الدولي للاتحاد العالمي البريدي أوضحت أن بعض مهل التوجه من المملكة إلى بعض الدول قد تحسنت عن السابق ومثال ذلك أن الرسالة من جدة إلى أسمرة تستغرق حسب التقرير3 أيام، ومن الظهران إلى بومبي حوالي يومين.

ثالثاً : الأمان

من أبرزالجوانب التي يمكن أن تقيس مدى شعور العميل بالأمان عند استخدام الخدمة البريدية هو الإقدام بارسال مستندات وأوراق هامة وقيّمة. ونستطيع أن نجزم أنه يندر أن تجد من يجرؤ على إرسال وثائق ومستندات أو فواتير وشيكات بالبريد العادي أسوة بما يتم العمل به في بعض الدول في الخارج. أما إمكانية ضياع البريد وعدم وصوله ألبته، فربما كان مما يعاني منه الجميع ويندر أن تجد من لم تكن له تجربة في ضياع بريده أو عدم وصوله، بالرغم أن دراسات البريد المسحية حسب تقرير البريد 1420 هـ تؤكد أن نسبة البريد الضائع لا يصل إلى 2% من إجمالي البريد المعالج وأن نسبة البريد الممزق 7و0 %.

ومما يزيد من الشعور بعدم الأمان أن البريد لا يعيد الرسالة إلى المرسل عندما لا يكون العنوان واضحاً أو هناك خطأ أو تغير في عنوان المرسل إليه بالرغم من وجود قسم مختص بهذه المهمة، وذلك خلافاً لما تقدمه كثير من الدول المتقدمة في رسائل البريد العادي (First Class ). وقد أدت هذه التجارب السلبية إلى زعزعة الثقة بالخدمة، وتقديم الشك والريبة على الثقة والأمانة في معاملة الرسائل. وتردد بين الجمهور إلى حد الاعتقاد عند بعضهم أن الرسائل ربما عبث بها أو أهملت أو تكدست أمام موظفي المكاتب أو في صناديق الشوارع خاصة وأن الشكاوي عبر وسائل الأعلام ومن خلال التجارب الشخصية لعديد من الناس تؤكد هذا المصير. فقد قرأنا في الصحف عن ذلك الصندوق في أحد الطرق الرئيسة في جدة الذي لم تجمع رسائله خلال ثلاثة أشهر، وسمعنا بل وشاهدنا رسائل وطرود تصل إلى أصحابها بعد فتحها، فضلاً عما قرأناه وسمعناه من قصص عن ضياع الرسائل و تلف محتوياتها.

أما الخدمة الآمنة في البريد فهي البريد المسجل والبريد الممتاز، ويتميز البريد الممتاز بكونه أسرع وصولاً وأكثر اهتماماً من قبل العاملين ويمكن للمرسل متابعة مساره والمطالبة بالتحري والسؤال عنه خلافاً للبريد المسجل، كما يمكن أن يصل إلى عنوان المرسل إليه حتى ولو كان منزلاً في أغلب الأحيان.

رابعاً : سرعة الاستجابة

عند قياس أحد جوانب سرعة الاستجابة بمبادرة الموظفين لخدمة العميل نجد أن بعضهم يضطر إلى الانتظار في صفوف طويلة لإرسال رسالة إذ لا يعمل فعلياً سوى شخص واحد في مكتب من المفترض أن يعمل فيه إثنان على الأقل مع عامل. أما الاستجابة للشكاوي والاقتراحات فعادة تحيل المكاتب الاقتراح إلى المكتب الرئيسي وذلك تخلصاً من تبعات المساءلة مما يصعب المهمة على العميل وتجعله أمام إجراءات طويلة وروتين عقيم يثبط المبادرين وربما أضاع حقوق المشتكين، في حين أن البريد في الدول المتقدمة يخصص خطاً مباشراً مجانياً لبعض الخدمات للاستفسار والتشكي والاقتراح والمراجعة يعلن عنه في وسائل الإعلام وسندات الإرسال ومكاتب البريد، كما يلتزم العاملون في المكاتب باستلام أي اقتراح أو شكوى وإيصالها للأقسام المختصة.

خامساً : التعاطف

إن مرحلة الوصول إلى مستوى عالي من التعاطف مع العميل أمر يصعب تحقيقه في كثير من الخدمات العامة، فالاستقبال ببشاشة وصدر رحب ، واعتبار خدمة العميل والعمل على إرضائه من أهم الأولويات، و تفصيل الخدمة كي تلبي حاجات ورغبات العميل مفاهيم يطول الزمن حتى نراها في أرض الواقع. ولعل الدورات التدريبية المستمرة لكيفية التعامل مع العميل ومعرفة أن الموظف لم يوجد إلا لخدمة العميل وتقديم كافة التسهيلات لتلبية رغباته تبرز كأقرب الحلول لتعميق هذه المبادئ وترسيخ هذه المفاهيم في ممارسات موظفي البريد.

مقترحات وتوصيات

إنه من الإنصاف أن نقرر أن هذه الملاحظات الفردية على مستوى الخدمة البريدية لا تبخس جهود القائمين على تطوير العمل ومحاولاتهم الجادة لتحسين الخدمة وفق الإمكانات المادية والبشرية المتاحة ومساهمة في دعم هذه الجهود  تطرح هذه المقالة بعض الاقتراحات التي يمكن إجمالها فيما يأتي.

1- دعم جهاز البريد بالإمكانات والتسهيلات المادية والالتفات إلى تطويره من قبل الدولة. فقد أشارت الخطة الخمسية السادسة ( 1995 – 2000) إلى أن التقدم المتحقق في خدمات البريد لا يضاهي ولا يتناسب مع ما حققته القطاعات الأخرى. ويعزو المختصون ذلك التأخر إلى عدم التركيز على الخدمة البريدية في الخطط التنموية في السابق مما قلل من المخصصات والإمكانات المادية الداعمة لتطورها وتحسنها. وبناءً عليه فقد تراكمت جوانب القصور في الخدمة البريدية حتى أصبح الحديث والمطالبة في إدراك ما يمكن إدراكه وإنعاش ما يمكن إنقاذه مطلباَ وطنياَ وتحد كبير للقائمين على هذه الخدمة.

 

2- إن من أهم العوائق التي تحد من وصول الرسائل إلى منازل الجمهور هو عدم تسمية الأحياء والشوارع لكثير من المدن والقرى في المملكة. وإذا كان هذا الأمر يحتاج إلى تعاون أكثر من قطاع لإنجاز هذا المشروع الحيوي فإن البريد يستطيع البدء في إيصال الخدمات للمدن الرئيسية المسماة شوارعها وأحياءها، أما المدن والقرى الأخرى فإن ترقيم شوارعها ومنازلها ليس أمراً مستحيلاً خاصة إذا تمكن البريد من الاستفادة من ترقيم وتخطيط مصلحة المياه أو شركات الهاتف أو الكهرباء.

أما الاعتماد على الصناديق البريدية من خلال الوكالات البريدية فان ذلك لن يتيح لجميع المقيمين الحصول على عنوان، خاصة إذا علمنا أن انتشار الوكالات البريدية محدود جداً ومقتصر على بعض الأحياء دون بعض فضلاً على أن هذه الوكالات لا تزال في مرحلة الاختبار والتجربة. وتأكيداً لذلك فقد أوضحت دراسة أجريت على الوكالات العاملة في منطقة القصيم عدم تفاؤل أصحابها بمستقبلها في ظل العوائق التي تواجههم حالياً.

3- زيادة صناديق الشوارع وتحديثها. فزيادة صناديق الشوارع سوف تزيد بلا شك من استخدام البريد مما سيحقق إيرادات إضافية للبريد ولعل الأسواق والتجمعات التجارية من أكثر الأماكن مناسبة لنشر هذه الصناديق كما أن إضافة مكائن آلية لبيع الطوابع بالقرب من الصناديق سوف تكون وسيلة تسويقية موفقة وفرصة استثمارية هامة خاصة بعد البدء بخدمة المراسلات التجارية الجوابية الداخلية والدولية Business Reply Service في بداية شهر يوليو 2000. كما أن هذه الزيادة المقترحة للصناديق تقتضي أن يتزامن معها زيادة الاهتمام بها من حيث جمع الرسائل منها دورياً وبصورة يومية دقيقة، بحيث يحدد على الصندوق موعد أيام الجمع والساعات المعينة لجمعه، أسوة بما تعمله كثير من الدول الأخرى. حيث يجمع البريد من صناديق الشوارع في أمريكا على سبيل المثال 3 مرات في أوقات محددة من كل يوم تقريباً، أما بريطانيا فتصل مرات الجمع من الصندوق الواحد إلى 5 مرات في الشوارع الرئيسة.

4- تشجيع القطاعات العامة والمنشآت الخاصة باستخدام والاعتماد على البريد في الاتصال والتعامل مع الجمهور. فإذا كانت الخدمة البريدية تستخدم بكثافة بين القطاعات الحكومية وتعتمدها كثير من المصالح والمنشآت الرسمية ناقلاً وحيداً لجمع  معاملاتها، فإن هذه فرصة استثمارية كبيرة ينبغي الحفاظ عليها لاستمرارها وإيجاد أقسام خاصة وكوادر بشرية معينة لمتابعة معاملات تلك القطاعات وتشجيعهم على التواصل مع الجمهور أيضاً من خلال البريد .

أما المنشآت الخاصة فرغم عدم التفات البريد كثيراً لهذا القطاع فانه يعد الأكثر جدوى اقتصادية مقارنة بغيره من القطاعات التي يصعب استخلاص المستحقات منها سريعاً. كما أن علاقة المنشآت الخاصة مع الجمهور والمنشآت التجارية الأخرى علاقة تجارية تعتمد على الاتصال المباشر بدرجة عالية. ولذلك فإن تشجيع هذا القطاع سيكون مردوده الاقتصادي مجزياً للبريد. ولأهمية المنشآت التجارية في إنعاش الطلب على الخدمة، فان البريد في الدول المتقدمة مثل بريطانيا يقدم خدمات عديدة للمنشآت التجارية منها تخفيضات الكمية التي تصل إلى 32% من قيمة التعرفة الأصلية، كما يخصص البريد أقساما خاصة لمعاملة المنشآت التجارية، ويقدم الاستشارات والنصائح والإرشاد وكذلك العضوية في البرامج التسهيلية لاستخدام البريد بكفاءة وفعالية . ويمكن للبريد كخطوة أولية البدء في تقديم خدمات تسهيلية مثل إنشاء دليل لصناديق البريد في المملكة ، وكذلك الترويج الفعال لخدمة  Business Reply Service أو Free Post  حيث لا يدفع المستقبل للبريد قيمة إرجاع الرسالة إلى المرسل. وهذه الخدمة ستكون وسيلة تسويقية ناجحة لجذب المنشآت التجارية لاستخدام البريد خاصة تلك التي تتعامل مباشرة مع الجمهور مثل البنوك وشركات التأمين ، ومؤسسات الطباعة والنشر والخدمات الصحية والمؤسسات الفندقية والسياحية ومراكز البحوث والمعلومات.

5- العمل على تحسين الإنتاجية والأداء وذلك من خلال السعي إلى تحديث الآلات المستخدمة في الوزن والفرز الآلي، واستخدام الأجهزة الحاسوبية والأتوماتيكية الحديثة، والاستمرار في برامج التدريب للموظفين القائمين على رأس العمل وزيادة وعيهم وتحسين التعامل مع المستخدمين والجمهور. وإذا كان البريد قد خطى في هذا الجانب خطوات ثابتة ومدروسة، فإن الاستمرار في التدريب والتحفيز والتشجيع لمن هم على رأس العمل يعد أمراً مكملاً وضرورياً، خاصة إذا ما قرن ذلك بتقديم المكافآت المادية والمعنوية للموظفين. فكما تؤكد الدراسات التسويقية الحديثة فإن جودة الخدمة لا تتحقق بكفاءة إلا حينما تحقق المنشأة مستوى عال من الرضا لموظفيها الذين سيقدمون هذه الخدمة.

6- توعية الجمهور بالمستجدات والتطورات المتحققة في أداء الخدمة وذلك لإزالة التصورات السلبية تجاهها. وكذلك محاولة زيادة وعي الجمهور بطرق الاستخدام الأمثل للبريد، وأهمية الرمز البريدي وما يستجد من تعليمات تتوافق مع استخدام الفرز الآلي عن طريق وسائل الأعلام والندوات الخاصة والمطبوعات والمنشورات الدورية خلال العام . ومن ذلك أيضا توعية الجمهور بالتعرفة وكيفية استخدام العناوين ومتي سيتم جمع البريد وكم المدة المستغرقة التقريبية لوصول الرسالة من مكان إلى أخر ، وكيف يمكن كتابة العنوان بشكل صحيح . كل هذه المعلومات وغيرها عندما تتوفر للمستخدم ويعيها ويدركها – بدلاً أن تبقى أمور لا يمكن الجزم بها-  سوف تزيل كثير من الشكوك لديه، وستزيد من ثقته بكفاءة الخدمة ووضوح إجراءاتها وفعالية تنظيمها .

7- استغلال اليوم العالمي للبريد استغلالاً امثل. فيمكن خلال ذلك اليوم زيادة وعي الجمهور بالكيفية السليمة للاستخدام البريد والصناديق البريدية والطوابع وتبني شعارات توضيحية وعملية عوضاً عن الشعارات العامة المستخدمة حالياً ، فمثلاً يمكن أن يكون الشعار لسنة ما هو كيفية استخدام الرمز البريدي ، وسنة أخرى لمعرفة الأوزان والتعرفة، وسنة يكون الشعار بالالتزام بإيصال الرسائل خلال أيام معينة، وهكذا يكون اليوم البريدي عملياً وتطبيقياً.

8- إيجاد خدمة جديدة تكون في مستوى متوسط بين البريد الممتاز والبريد العادي. حيث يشتكي كثير من المستخدمين من ارتفاع سعر البريد الممتاز في حين يصعب عليهم الاعتماد على البريد المسجل الذي يستغرق وقتاً طويلا للوصول، كما أن البريد العادي يصعب ضمان وصوله. وتأسيساً بالدول المتقدمة يمكن إيجاد خدمة بريد الدرجة الأولى (First Class) بحيث يصل البريد مثلاً خلال ثلاثة أيام ولكن بتعرفة أقل من تعرفة البريد الممتاز. وستكون هذه الخدمة الجديدة وسيلة تسويقية جيدة لجذب قطاع كبير من الجمهور والمؤسسات لاستخدامها والاعتماد عليها، خاصة إذا التزم البريد بإيصال هذه الرسائل في الوقت المعلن. كما أن إدخال هذه الخدمة والالتزام بجودتها سيكون الوسيلة العملية الناجعة التي ستساهم في إزالة الصورة السلبية عن البريد. فمن المعلوم في السياسات التسويقية الإستراتيجية أن الدخول للسوق بإسم أو منتج أو خدمة جديدة سوف يعين على نهوض ونجاح للمنشأة وتحسن صورتها أفضل بكثير ما يمكن تحقيقه عن طريق تحسين الخدمة القائمة، ولا أدل في ذلك من نجاح خدمة البريد الممتاز حيث أدى إدخالها إلى انتعاش مستوى الخدمة وزيادة الطلب وتحقيق معدل نمو عالي في الإيرادات مما جعلها من افضل الإنجازات الموفقة للبريد.

9- دعم البحوث والدراسات العلمية الخاصة بتقويم الخدمات البريدية وسبل تطويرها، وحث الباحثين والدارسين عن طريق المسابقات والندوات واللقاءات، واستضافة الكفاءات المؤهلة والخبرات الوطنية لعرض الأفكار والمقترحات والأساليب الممكنة في ظل الإمكانات المتاحة. ومن ذلك أيضاً التأسي ببعض القطاعات الحكومية التي استفادت كثيراً من الكفاءات المحلية بعقدها للندوات العلمية السنوية القائمة على البحوث المحكمة التي شجعت كثيراً من الباحثين على البحث والمشاركة.

وأخيراً، فإن ما يجعل الخدمة البريدية عرضة للنقد والمسائلة هو أهميتها وضرورتها لتسهيل سبل الحياة، وعندما يلمس المواطن مدى ما توصلت إليه الخدمات الأخرى في المملكة من تطور ونمو يزداد ثقة بأن القائمين على البريد يدركون تماماً مدى ما يواجهونه من تحد ومسئوليات للرقي بهذه الخدمة لتقوم بدورها الهام في المساهمة في نمو الوطن اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

 

د. أحمد عـبدالرحمن الشـميـمري

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]