تاريخ حاضنات الأعمال | History of Business Incubators

تاريخ حاضنات الأعمال | History of Business Incubators

تاريخ النشر: 7 أكتوبر، 2021

ظهرت حاضنات الأعمال كوسيلة للتنمية الاقتصادية في بداية ومنتصف الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي، وقد كانت البداية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وانتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء العالم. وقد تشكل مفهوم الحاضنة منذ سنة 1959 على الأقل، عندما افتتح مركز بتافيا الصناعي Batavia Industrial Center في بتافيا في نيويورك Batavia, New York. وقد كانت البداية أن واجهت العائلة التي تملك الشركة ديونًا عالية، جعلتها تلجأ إلى فكرة تأجير الآلات الصناعية وتدريب المصنعين في موقع الشركة، وتم تطوير الفكرة لتشمل تأجير مبنى الشركة، وتأجير مكاتبها ومرافقها للأفراد الراغبين في إنشاء مشاريع صناعية مع توفير الاستشارة الإدارية والفنية.

وبدأ بعد ذلك ظهور الحاضنات بدرجة كبيرة بعد إدراك المنشآت والشركات والجامعات أن منابع التجارة في التطورات التقنية العالية والمتوسطة يأتي من خلال المنشآت المبتدئة. وتأسس المركز العلمي لمدينة الجامعة University City Science Center، على سبيل المثال، في فيلادلفيا في بنسلفانيا Philadelphia, Pennsylvania  وفق هذا التوجه في سنة 1964م.

وفي بداية سنة 1973م، دعمت المؤسسة العلمية الوطنية National Science Foundation سلسلة من التجارب مع مراكز ابتكار من خلال برنامجها للبحوث والتطوير التجريبية   Experimental Research and Development Program (NFS 1985). ومع سنة 1981، اتسع البرنامج ليشمل 11 مركزًا. وخدمت المراكز كأساس لجهود مستقبلية للجامعة في تدشين مراكز حاضنات.

ومن خلال تلك المجهودات المنتجة انتقل المفهوم إلى إمكانية استفادة الشركات من البيئة الداعمة، التي يمكن هيكلتها لتحقيق توازن بين استقلال المبادئ والروابط بتنظيم الحاضنة. وكان أحد هذه الأمثلة في تطوير المنشأة هي منشأة فيرتشايلد Fairchild Corporation، والتي كانت مسؤولة بين سنتي 1957 و 1970 بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن بدء 35 شركة منها إنتل Intel، وناشونال سيميكوندكتور National Semiconductor.

وكان الهدف الرئيس لتلك المبادرات المبكرة إنتاج أعمال موجهة للنمو والربحية. ومع التطور في عملية النمو المبكرة هذه، اتسعت قاعدة العملاء لتشمل مخاطر طريق اللاعودة  non-spin-off. وأضاف تصاعد النمو الذي حققته المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم دعمًا كبيرًا لهذا الاتجاه لإنتاج ثروة رئيسة، ومساهمة في توفير العمالة في الاقتصاد الوطني.

وحتى بداية الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي، لم يكن يشيع المفهوم الحالي لما نسميه بدقة الآن بحاضنات الأعمال. لكن ظهرت بعض الأساسيات المشتركة للمفهوم. وشملت تلك السمات المشتركة خدمات منطقية مشتركة، وإدارة مجتمعة، وتداخل بين المستأجرين (المتعاونين)، وشبكات استشارات للأعمال، والمدير كوكيل للأعمال لإحداث قيمة مضافة.

وأدى غياب النظامية الواضحة والتعريف الموحد للحاضنات إلى استخدام أسماء أخرى مختلفة للحاضنات، أو أنواع التنظيمات الأخرى، التي تؤدي وظائف الحاضنة، مثل مراكز المنشآت، أو مركز الأعمال والتقنية، أو مراكز الابتكار.

وفي سنة 1984م، لم يكن هناك سوى 26 حاضنة فقط في الولايات المتحدة، لكن من ذلك الوقت حدثت ثورة في الانتشار. خاصة بعد أن وضعت إدارة المنشآت الصغيرة (SBA) برنامجًا خاصًّا لدعم حاضنات الأعمال. وظهر تبني مفهوم حاضنة الأعمال “ليحتضن” مدى أوسع من أنواع المنشآت، مع تنوع الأهداف والنواتج المرغوب فيها. كما اتسع نوع التنظيم المهتم بالحاضنات أيضًا عن طريق دخول مؤسسات القطاع العام الموجهة للسياسة بهدف إنتاج وظائف، أو سعي الجهات الموجهة للرفاهية لتقديم فرص عمل معززة للعاطلين.

وبحلول عام 1990م، بلغ عدد الحاضنات التي تعمل في الولايات المتحدة الأمريكية 385 حاضنة أعمال. ومن الطبيعي أن يأتي مع هذا الانفجار تحليل ومراجع للتوسع مع بدء الكثير من الباحثين للتعرف على هذه الظاهرة. كما أصبحت “صناعة الحاضنات” أكثر انتشارًا مع ظهور الجمعيات والمنظمات المتخصصة الجديدة، مثل جمعية حاضنات أعمال بنسلفانيا Pennsylvania Business Incubator Association والذي بدأ العمليات في 1984م، وتبعته بعد  ذلك جمعية حاضنات الأعمال الوطنية National Business Incubator Association (NBIA)، وجمعيات وشبكات حاضنات أخرى معتمدة على المناطق.

وفي أوروبا، ظهر مفهوم الحاضنات حديثًا، لكنه أصبح منتشرًا الآن في معظم الدول الأوروبية. وقد قدمت منظمة العمالة والسياسة الاجتماعية للاتحاد الأوروبي خطوطًا إرشادية لتشجيع تسييد الحاضنات كمقياس لدعم سوق العمل الأوروبي، وحل لمشكلات المجموعات التي تعرضت بيئتها الاقتصادية للتذبذب. وتبنت كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نموذج الحاضنات في المجالات المختلفة. وشيدت أولى الحاضنات في المملكة المتحدة في سنة 1980، وذلك بعد الكساد الاقتصادي الكبير عامي 1982م/1983م، وما صاحبه من ارتفاع البطالة وبدء سياسة الخصخصة. وحتى سنة 1996، لم يكن هناك سوى 25 حاضنة فقط، إلا أنه في آخر خمس سنوات ازداد عدد الحاضنات بسرعة كبيرة، بعد أن خصصت حكومة المملكة المتحدة ميزانية مخصصة لدعم إنشاء حاضنات الأعمال. ويوجد حتى عام 2018م ما يزيد عن حوالي 350 حاضنة أعمال في المملكة المتحدة.

ويدير القطاع الخاص معظم الحاضنات في المملكة المتحدة، وتوفر تلك الحاضنات خدمات الأعمال، كما تدير العقار. والحاضنات الأخرى تقدم الموارد المالية للأعمال المبتدئة في الحاضنات في المملكة المتحدة من السلطات المحلية (أو المتبرعين بالعقارات) أو من الاتحاد الأوروبي. وتمثل الحاضنات الجامعية ومؤسسات الدراسات العليا نصف عدد الحاضنات، تقدم تبرعات نقدية أو عقارات أو الدعم البشري، أو تقديم للخريجين والعاملين في الجامعة للشركات حديثة التشييد.

وفي عالمنا العربي ﻓﺈن ﻤﺼر ﺘﻌدّ من أولى الدول العربية التي أنشأت حاضنات الأعمال.  ففي عام 1995 تأسست الجمعية المصرية لحاضنات المشروعات الصغيرة، وتولى تأسيسها الصندوق الاجتماعي لتنمية حاضنات الأعمال والتكنولوجيا، وقد وضع الصندوق المذكور خطة لإنشاء 30 حاضنة في مصر، تمّ إنشاء 15 منها حتى عام 2002. وتصنف الحاضنات المقامة في جمهورية مصر العربية بتنوعها، كما يأتي:

  1. حاضنات معتمدة على التكنولوجيا البسيطة لتقديم الخدمات أو التصنيع الخفيف.
  2. حاضنات تعتمد على المشروعات ذات المعرفة والمعلومات مثل حاضنة المنصورة وتلا وأسيوط (حاضنات للصناعات العادية والحرفية المميزة ذات الجودة العالية).
  3. الحاضنات التكنولوجية القائمة بالقرب من الجامعات والمراكز العلمية والتكنولوجية أو داخلها منها حاضنة التبين وجامعة المنصورة.
  4. حاضنات متخصصة في المعلوماتية والتقنية الحيوية في مدينة مبارك في الإسكندرية.

أما في المملكة العربية السعودية فقد بدأ الحديث جديًّا عن حاضنات الأعمال منذ عام 2002م عندما بدأت الغرف التجارية الصناعية في المدن الرئيسة بمحاولات إدخال المفهوم وتطبيقاته، وبذلت جهودًا حثيثة من أجل بث الوعي نحو أهمية الحاضنات، امتدادًا لاهتمامها بالمنشآت الصغيرة، إلا أنه لم ير النور تطبيقيًّا إلا عام 2008م حينما أنشأت جامعة الملك سعود أول مركز لريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية، يتضمن أول حاضنة للأعمال وبرنامجًا متكاملًا لرواد الأعمال، يعمل بالشكل المتكامل والمحدد لمفهوم الحاضنة، وقد تزامن ذلك في نفس العام 2008م أن أنشأت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أول حاضنة تقنية رسمية في السعودية بمسمى حاضنة بادر لتقنية المعلومات والاتصالات. تلا ذلك ظهور جمعية متخصصة عام 2008 تعنى بريادة الأعمال والتأصيل لأبعاده المختلفة، التي من بينها حاضنات الأعمال. هذه الجمعية هي الجمعية السعودية لريادة الأعمال، التي تتخذ من الرياض مقرًّا لها، ولديها فروع عديدة في مدن المملكة الرئيسة. وفي عام 2009م أنشأت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الشبكة السعودية لحاضنات الأعمال، لتكون بمثابة همزة الوصل بين حاضنات الأعمال الناشئة في المملكة سواءً تلك التابعة للقطاعات العامة والجامعات، وكذلك الحاضنات التجارية الخاصة. ثم ظهر بعد ذلك عدد من الحاضنات الجامعية والخاصة التي بلغت بنهاية عام 2014م حوالي 20 حاضنة في مختلف المجالات، بحسب تقديرات شبكة الحاضنات السعودية. ثم كان لإنشاء هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة عام 2016م الأثر البارز في دعم وإنماء وتنظيم الحاضنات والمسرعات انعكاسًا لتحقيق رؤية السعودية الطموحة 2030. وتم ترخيص وتنظيم مساحات العمل، والحاضنات، والمسرعات لتقفز إلى أكثر من 45 حاضنة ومسرعة بحلول عام 2020م.

وبالجملة فإن حاضنات الأعمال لا تزال في مهدها، كما أن خدماتها لم تزل في البداية والعمل معها، والاستفادة من خدماتها بين رواد الأعمال، وأصحاب المنشآت الصغيرة لا يزال محدودًا. فبحسب الدراسة التي أجراها صندوق تنمية الموارد البشرية وجمعية ريادة الأعمال (2013) فإن المنشآت التي لم يسبق لها التعامل مع الحاضنات للمشروعات الصغيرة  تمثل (86.6%) من مجموع المنشآت الصغيرة المشاركة في الدراسة، في حين أن المنشآت التي سبق لها التعامل مع الحاضنات للمشروعات الصغيرة  لم تزد عن (7.6%).

 

الشكل (1-3) التعامل مع حاضنات الأعمال