الروبيان .. والتنمية المتوازية

الروبيان .. والتنمية المتوازية

تاريخ النشر: 23 مايو، 2021

دشن ولي العهد الأمين قبل أيام قلائل مشروعاً وطنياً رائداً ومميزاً من حيث الفكرة والهدف وطريقة التنفيذ. هذا المشروع هو مشروع الروبيان في منطقة الليث الذي يعد أكبر مشاريع استزراع وإنتاج الروبيان في الشرق الأوسط وعند اكتمال مراحلته الثانية سيصبح الأكبر على مستوى العالم. ينتج هذا المشروع الروبيان بطاقة انتاجية مقدارها 80 طن يومياً ويسوقه لمستهلكيه الأصليين ومن علمنا أن هذا الحيوان المائي يمكن استساغة أكله والاستفادة من قيمته الغذائية العالية. فهو يستهدف أسواق اليابان والصين وأمريكا واستراليا. 

وهذا المشروع الضخم لا تقتصر أهميته في القيمة المضافة للإقتصاد الوطني وتعزيزه لميزان المدفوعات وتنمية نسب الصادرات، ولا تقتصر أيضاً على الفكرة الإبداعية في تنقيذ المشروع والتخيل أن تصدر الصحراء القاحلة ذات المناخ الحار ثروة زراعية ضخمة  لبلدان العالم التي تحيطها الأنهار والبحار والمحيطات من كل جانب. كما لا تقتصر أيضاً أهمية هذا المشروع الرائد على الحس الوطني في الإستثمار المحلي وتوطين رؤوس الأموال والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، فهذه محمدة للراجحي لها فيها اليد الطولى والفضل الكبير في أكثر من مشروع. لكن هذا المشروع أضاف إلى قيمته وأهميته بعداً آخر عبر عنه أحد البسطاء من بلدة الليث حيث قال بلغته المحليه ” انفتح لنا باب رزق، واتوظفوا أبناءنا”. وهي الإضافة الأميز والأسعد لهذا المشروع الوطني البناء. فالراجحي والسبيعي والبلاع سيسجل لهم بكل فخر واعتزاز مبادرتهم الوطنية في تعزيز مفهوم التنمية المتوازية في الوطن. 

فالتنمية في الدول يجب أن لا تقتصر على المدن العظمى والعواصم الكبرى بحيث تتكدس فيها المشاريع ويتضخم فيها عدد السكان ويزداد الازدحام، وترتفع تكاليف المعيشة، وتنتشر الجريمة، ويقل الأمن، وينقص نصيب الفرد من الخدمات الضرورية العامة. وفي المقابل، فإن تحقيق التنمية المتوازية يحقق مبدأ العدالة الإجتماعية بين أبناء الوطن الواحد ويزيد من فرص العمل والتعليم والثقافة والوعي بشكل عام. كما أنها تساهم في السيطرة الأمنية العامة على المدينة وبالتالي انخفاض نسبة الجريمة والإنحراف. كما أنها تساهم في تحسين مستوى النوعية، وتعزيز مبدأ الوضوح والشفافية على الممارسات الإدارية والإجرائية، وتفرض رقابة شعبية محلية لأبناء المدينة على مسئوليها في شتى القطاعات. كما أن التنمية المتوازية تعزز من الاستقرار الأمني بتقليل الفجوات السكانية المتباعدة بين المدن. وتساهم في التوطين الجغرافي السكاني المبني على التوزيع المتوازي للمدن. فكما أنه ليس من المجدي اقتصادياً أن تلبي الدول حاجات كل هجرة وقرية من كل الخدمات والمتطلبات الحياتية، فإنه ليس من المجدي احتماعياً وسياسياً وأمنياً أن تبقى هذه التجمعات هجراً وقرى على مدى السنين في حين تستمر المدن الكبرى بالتضخم والإنبعاج.

إن زيادة الاهتمام بالتنمية المتوازية أصبح مطلباً ملحاً وهاماً لابد للدولة أن توجهه وتشجعه وتضع الخط المساندة والمعونات المعنوية والمادية المحققه لأهدافه. والعمل على جذب رؤس الأموال وإنشاء المشاريع الحكومية الكبرى واستقطاب الإستثمار الأجنبي بعروض مشجعة ومغرية لإحياء المدن الصغيرة والمناطق المتباعدة في أطراف المملكة المترامية.

وأخيراً نقول لأصحاب مشروع الروبيان لقد استطعتم بفكرتكم الطموحة أن “تبيعوا البيض على سلاقينه” فهنيئاً للوطن بمثل هذا الإبداع.

  

د. أحمد الشميمري

استاذ الإدارة والتسويق المشارك

[email protected]

 

هذا المقال هو رأي شخصي للكاتب. فما ذكر فيه قد يناسب الزمان والمكان الذي قد كتب حينه،  وقد لا يتناسب مع الحاضر اليوم أو المستقبل، أو ربما عبر عن نفس الحال  والمقال، كما حال في دورة الزمان وتتجدد الأحداث الأحزان.ويعيد التاريخ نفسه.

أ. د. أحمد الشميمري، أستاذ التسويق وريادة الأعمال- جامعة الملك سعود،الرياض [email protected]